الرئيسية بلوق الصفحة 83

غياث نعيسة يكتب: القضية الكردية.. ملامح وآفاق

من المعهود القول، إن الحاضر يحدده الماضي وهو نفسه يرسم ملامح المستقبل، لذا فإننا في محاولة فهم سياق كفاح الشعب الكردي وأيضاً المخاطر والصراعات التي تجتاحه وتجتاح المنطقة، وبالأخص مخاطر نزاعٍ كردي – كردي في إقليم باشور كردستان، نحتاج لرسم بعض المحطات لنضاله وعدد من محددات وضعه وآفاقه، بإيجاز شديد.
يعد الشعب الكردي الذي يقدر بنحو أربعين مليون نسمة من أكبر شعوب المنطقة (والعالم) الذي ليس له دولة، ويتوزع تواجده على عدة دول أهمها تركيا وإيران والعراق وسوريا، فقد قامت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بإعادة رسم خريطة بلدان المنطقة، وتقاسم النفوذ فيما بينها، كما استكملت ذلك بعد الحرب العالمية الثانية.
برزت دول جديدة بحدود حددتها ورسمتها اعتباطاً قوى الهيمنة العالمية بدون أن يكون لمطالب ومصالح شعوب المنطقة دور يذكر.
وبكل الأحوال، فإن الشعب الكردي لم يحظَ بدولة له رغم وعود واتفاق الدول الكبرى في ذلك الوقت على ذلك.
شهد تاريخ الشعب الكردي ثورات وانتفاضات عديدة من أجل إقرار حقوقه القومية أهمها جمهورية مهاباد في إيران عام 1946، والتي دامت أقل من عام، وهو العام الذي شهد فيه تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الملا مصطفى البرزاني، ليصبح هذا الحزب هو القيادة السياسية والجماهيرية للحركة القومية الكردية في كل أجزاء كردستان ولعقود من الزمن، وبالتحديد لغاية منتصف السبعينات من القرن الماضي.
حصل انشقاق فيه في حزيران/ يونيو عام ١٩٧٥ بقيادة جلال الطالباني، عقب تراجع الثورة الكردية وانكسارها في آذار/مارس من نفس العام.
وتوالت انشقاقات عدة وتشكلت أحزاب عديدة من رحم هذين الحزبين وسمت الحركة السياسية في كل أجزاء كردستان.
كان للوضع السياسي والاقتصادي – الاجتماعي والثقافي في تركيا خصوصيته، حيث أن النقاشات السياسية والايديولوجية المكثفة ونهوض واسع للنضالات الجماهيرية ولليسار في تركيا حددت شروط بزوغ حزب العمال الكردستاني الذي أعلن عن تأسيسه في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٧٨، بهوية يسارية جذرية واضحة ومتميزة عن الحزبين القوميين السابقين، ولم يكن ذلك الحزب بقيادة عبد الله أوجلان نابعاً منهما، أو انشقاقاً عنهما، كما كانت عليه غالبية الأحزاب الكردية.
وهكذا أصبح للحركة القومية الكردية ثلاث قيادات سياسية وأيديولوجية متمايزة: الحزب الديمقراطي الكردستاني -البارازاني (الذي بقي الأهم لغاية منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ليقتصر بعدها هيمنته على إقليم باشور كردستان بشكل أساسي)، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني- الطالباني (الذي اقتصر نفوذه السياسي على جزء من إقليم كردستان العراق أساساً)، وحزب العمال الكردستاني (مع الأحزاب الشقيقة له التي تشاركه الأيديولوجيا) أصبح الحزب الأقوى سياسياً وتنظيمياً في صفوف الشعب الكردي في معظم مناطق تواجده، ليصبح الحزب الأقوى في كل أجزاء كردستان، باستثناء كردستان العراق، الذي يشكل فيها القوة السياسية الثالثة الأهم وزناً وتأثيراً.
لكن واقع الحال اليوم يشير إلى أن القيادة السياسية الجماهيرية للشعب الكردي في عموم مناطق كردستان تعود لحزب العمال الكردستاني (بمنظومته الأيديولوجية، بشكل أدق)، مع خصوصية وضع إقليم كردستان العراق الذي أشرنا إليه أعلاه.
التوازن الهش بين القوى السياسية الكردية والتدخلات الخارجية تحدد ملامح الوضع في الإقليم
جرى في عام 1980 انقلاب عسكري في تركيا، وقامت دكتاتورية عسكرية دموية عملت على القضاء على كل القوى المعارضة ولا سيما اليسارية ومن بينها حزب العمال الكردستاني، فتبنت العديد من القوى اليسارية التركية الكفاح المسلح في مواجهة الدكتاتورية العسكرية الدموية (قدر عدد المعتقلين السياسيين حينئذ بنحو 650ألف معتقل/ة وفر خارج تركيا حوالي 30 ألف مناضل/ة وسقط تحت التعذيب أو الإعدام المئات)، بينما تبنى حزب العمال الكردستاني هذا الشكل النضالي عام 1984، لتفتح دورة دموية من المقاومة المسلحة وعنف الدولة التركية.
منذ التسعينات من القرن الماضي، تحول حزب العمال الكردستاني، وأحزابه الشقيقة، إلى الحزب الأكبر والأقوى في الحركة القومية الكردية في كل من تركيا وإيران وسوريا.
أما في كردستان العراق، فقد ارتسمت ملامح وضع أكثر تعقيداً، من جهة، كان هناك عنف الدولة البعثية ضد الحركة القومية الكردية بشقيها الطالباني- البارزاني، وأحياناً تتحالف السلطة البعثية مع هذا ضد ذاك، إضافة إلى اشتباك متواتر بين هذين القسمين (الطالباني – البارزاني) على النفوذ والهيمنة في إقليم كردستان العراق، كما تدخلت كل من تركيا وإيران في هذا الصراع بشكليه المباشر أو غير المباشر، ضد كلا القسمين أحياناً، وغالباً مع هذا الطرف الكردي ضد الآخر، من جهة أخرى.
وفي صراع النفوذ المذكور الذي كان عنيفاً في أحيان كثيرة، توصل الطرفان الكرديان إلى نوع من التفاهم على تقاسم النفوذ في إقليم كردستان العراق بعد نحو ثلاث سنوات من الحرب الأهلية الكردية دامت من عام 1994 إلى عام 1997، خلّفت آلاف القتلى والجرحى.
وبهذا الاتفاق يسيطر الاتحاد الوطني الكردستاني- الطالباني على جنوب -شرق إقليم كردستان، وله حدود وعلاقات اقتصادية وسياسية مع إيران، ويسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني- البارزاني على شمال-غرب إقليم كردستان، وله حدود وعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع تركيا.
أدى اتفاق السلام بين حزب العمال الكردستاني وحكومة العدالة والتنمية في تركيا عام 2013، إلى الاتفاق بين الطرفين على خروج مقاتلي حزب العمال إلى جبال قنديل في إقليم كردستان العراق، بموافقة الطرفين الكرديين في الإقليم.
وبذلك أصبح شرعياً ومتوافقاً عليه وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الاقليم، وعزز من ذلك تواجده سياسياً، إذ أنه تحول إلى القوة السياسية الثالثة الأقوى في إقليم كردستان العراق.
هذا التوازن الهش بين القوى السياسية الكردية الثلاثة الأهم في إقليم كردستان العراق (الطالباني- البارازاني- العمال الكردستاني) مع تدخلات القوى الإقليمية ولا سيما تركيا وايران (وأيضا الولايات المتحدة التي احتلت العراق عام2003 ) هي ما يحدد ملامح الوضع هناك وصراعاته وأزماته وآفاقه.
وإن كان من حاجة لتوصيف الطبيعة الأساسية لكل من هذه القوى السياسية الكردية الثلاثة، يمكن القول، بشيء من الاختزال، بأن الطابع العائلي- العشائري يطغى على الحزب الديمقراطي الكردستاني- البارزاني، وأن الطابع العائلي -السياسي يطغى على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني- الطالباني، وأن الطابع السياسي- الأيديولوجي هو السمة الحصرية لحزب العمال الكردستاني.
الهدف من التحشيدات الأخيرة للحزب الديمقراطي الكردستاني
أقام نظام أردوغان ما يزيد عن 27 قاعدة عسكرية في إقليم كردستان العراق، بينما أقر بن علي يلدرم، رئيس الوزراء التركي السابق في مؤتمر صحفي ببغداد في يونيو/حزيران 2018، بوجود 11 قاعدة عسكرية، وقال: “قمنا بإنشاء 11 قاعدة عسكرية وضاعفنا عدد جنودنا وقواتنا في تلك القواعد لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني”، معظم هذه القواعد العسكرية التركية أقيمت لتحقيق ثلاثة أهداف، أولها ضرب مقاتلي وقيادات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، وثانيها، تعزيز وإدامة النفوذ والتواجد التركي المباشر في الإقليم عبر حضوره العسكري المباشر، وثالثها، ثانوياً، دعم حليفه، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارازاني)، في وجه خصومه السياسيين الآخرين.
لم يدم اتفاق السلام بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية طويلاً، إذ أنه ترنح بعد نحو عام من توقيعه، وانتهى ليعود حرباً شاملة يشنها النظام التركي ضد المناطق الكردية منذ صيف عام 2015، بهدف “سحق الكرد” كما عبّر عن ذلك مسؤولون أتراك.
ومنذ ذلك الحين لم تتوقف العمليات العسكرية التركية ضد مواقع ومقاتلي وكوادر حزب العمال الكردستاني، وأغلبها تشن من داخل القواعد العسكرية التركية المتواجدة في إقليم كردستان تحت رعاية وبصر قيادة أربيل (الديمقراطي الكردستاني)، التي إما أنها تدعم ذلك، أو أنها تذعن للضغوط التركية.
بيد أن التحشيدات العسكرية الأخيرة لقوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني (أربيل) أتت لمحاصرة مناطق جبال قنديل ولتوسيع مساحة سيطرتها بذلك على حساب مناطق تعدّ تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني (السليمانية)، هذا ما ينذر باندلاع حرب أهلية كردية- كردية، مرة أخرى، لكنها ستكون هذه المرة باهظة الأثمان للشعب الكردي عموماً ومدمرة لقضيته ومستقبله، ولن تخدم أحداً سوى أعداء الشعب الكردي من الأنظمة المتحكمة بمصيره، أو بعض الشرائح الفاسدة منه، وستبدد إن اندلعت، مكتسبات عدة للشعب الكردي، ظفر بها بعد عقود طويلة من الكفاح والتضحيات الهائلة.
ولذلك، يجب إدانة هكذا حرب ومنعها، لأنها حرب مناهضة لمصالح الشعب الكردي ومناهضة لقضيته في التحرر الشامل، وتصب في مصلحة النظام في تركيا أولاً، وأيضاً في إيران ودمشق وبغداد، هذه الأنظمة التي تعادي الحقوق القومية للشعب الكردي، ومنها حقه المشروع في تقرير مصيره بكل حرية، وهي، أي هذه الحرب، لن تؤدي سوى إلى إعادة ومفاقمة هيمنة هذه الأنظمة على الشعب الكردي، أكثر من السابق، وسيكون من نتائجها الأخرى إنها ستضعف إلى حد كبير حركات تحرر الشعوب في عموم المنطقة، وتوجه لها ضربة موجعة. لذلك فإنها حرب رجعية بامتياز.
وحدة كفاح شعوب المنطقة ضروري كشرط للانتصار
أعطت السنوات العشر الماضية من الانتفاضات والثورات عدداً من الدروس الهامة، مؤكدة، في الوقت عينه، على عدد من الحقائق التي تتجاوز الإطار النظري الرغبوي الصرف، لكونها تعبر عن وقائع موضوعية يصعب الانفكاك منها.
والحال، فإن بلدان شرق المتوسط تشكلت، كما سبق أن ذكرنا أعلاه، ورسمت حدودها بتوافق بين الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، ولم تكن تلك الحدود مجرد استجابة لمعطيات تاريخية أو قومية، بل كانت بالأحرى تستجيب لموازين القوى بينها وإلى تنازلات متبادلة وصفقات فيما بينها، حتى استقرت حدود هذه الدول بالشكل الذي نعرفه.
بهذا تشكلت هذه الدول “الوطنية المستقلة” وهي تحمل في طياتها مظالم قومية وأثنية وتاريخية وارتباك في الهوية تنتظر ساعة انفجارها، بخلاف حالة الدولة في مصر، مثلاً، وهي دولة نهرية مركزية منذ غابر الزمن.
في المقابل، ولن نحتاج إلى جهد كبير لإقناع أي كان به، إن أي حدث في أي بلد من بلدان شرق المتوسط يجد ارتداداته في عموم البلدان (الإقليم)، بل وعلى صعيد أوسع وعالمي، والعكس صحيح.
لتوضيح ذلك، لنأخذ سوريا مثالاً، فإنه عندما اندلعت الثورة الشعبية في سوريا في آذار/مارس 2011، إنما أتت، في جانب منها، في سياق ثورات تعم المنطقة، وأيضاً عندما جاءت هزيمتها، فإنها جاءت في سياق انتصارات الثورة المضادة في أكثر من بلد من بلدان المنطقة.
من جهة أخرى، ما إن قامت الثورة في سوريا حتى وجدنا الدول الإقليمية كلها –تقريباً- تتدخل في الوضع السوري، إيران مع النظام، وتركيا مع فصائل إسلامية جهادية ومعارضة تابعة لها. والطرفان يتدخلان عسكرياً في بلادنا، كل من أجل مصالحه ونفوذه، فقط وليس من أجل مصالح الشعب السوري، إذن، لم تتوان الدول الإقليمية لحظة واحدة في التدخل في الوضع السوري، طالما أن مصالحها واستقرارها يتطلبان ذلك.
في جانب آخر، نجد أن الثورة الشعبية السورية، رغم ما حل بها من هزيمة لاحقاً، أدت من خلال إضعافها للنظام الحاكم، إلى إفساح حيز لحركة التحرر الكردي المنظمة والواعية أن تتخلص -إلى حد كبير- من الاضطهاد والقهر والتمييز العنصري الذي عانت منه من النظام الحاكم في دمشق لزمن طويل، وتبنى اللبنات الأولى لمشروع متميز هو الإدارة الذاتية.
يمكننا أن نأخذ إقليم كردستان العراق، أو إيران، أو تركيا، أو لبنان، أو فلسطين أو… لنجد بأن نضال الشعوب التحرري في هذه المنطقة مترابط عضوياً، وتأثيراته متبادلة سلباً أم ايجاباً، مثلما تؤكد الوقائع والأحداث بأن تحرر أي شعب في أي بلد منها لن يجد في مواجهته نظامه الحاكم وحده، بل عدداً من الأنظمة المحيطة ببلده، وبالأخص الدول الإقليمية.
هناك إذن، خندقان متلاحمان ومتواجهان، خندق شعوب المنطقة، في مقابل خندق الأنظمة الحاكمة والطبقات المالكة.
وحدة نضال الشعوب التحرري في منطقتنا، بل وأبعد منها، ليست ترفاً، إنها ضرورة تحتمها علينا الوقائع الموضوعية والتاريخية، وضرورة حشد متطلبات الانتصار، وتجاهلها أو التفريط بها يجعل من الهزيمة احتمالاً أكبر.
هذا يفسر والأمثلة متوفرة بكثرة، كيف أن النظام التركي بقدر ما هو نحى نحو التدخل العسكري في سوريا لصالح قوى رجعية وظلامية، بقدر ما أن ذلك تطلب منه نزوعاً استبدادياً داخل تركيا نفسها، لقمع الجماهير والأحزاب المعارضة في تركيا، لأن احتجاجات شعبية ومعارضة داخل تركيا نفسها ستعيق، إن لم تكن ستمنع، سياساته العدوانية والتوسعية في بلادنا، ويمكن قياس ذلك على بقية الدول الإقليمية… ما يجعل من فكرة أن انتفاضة شعبية في عموم المنطقة هي القادرة على تحرير شعوبنا حقاً.
هناك، إذن، ترابط وتشارك واضحين، أكدته الأحداث المكررة، في المصالح والمصير لشعوب المنطقة في نضالها المديد من أجل حريتها وكرامتها والعدل الاجتماعي.
في هذا الاطار، إذا نظرنا إلى القضية الكردية، فإن الموقف الأممي يعني الإقرار ودعم حق الشعب الكردي، في تقرير مصيره بكل حرية، ومنها حقه في إقامة دولته المستقلة: كردستان ديمقراطية موحدة.
ذلك لا يتناقض على صعيد عملي يستند على تشابك الأوضاع في عموم المنطقة وضرورة وحدة كفاح شعوب المنطقة كشرط للانتصار، كما ذكرنا سابقاً، لطرح مشروع اتحاد (فيدرالي) ديمقراطي اجتماعي ( بالنسبة لي اشتراكي) يضم شعوب وبلدان المنطقة المتحررة من أنظمة الاستبداد والاستغلال والشوفينية، مع حق كل شعب، باختياره الحر، الاندماج فيه أم لا، يحقق كل منهم حكمه الذاتي في هذا الإطار الفيدرالي الديموقراطي والاجتماعي، لتصبح بذلك المظلوميات السابقة جزءاً من الماضي، ويفتح أفقاً لمستقبل أكثر إنسانية وعدلاً وازدهاراً لكل شعوب المنطقة، والعالم.

عن ANHA

طالب إبراهيم يكتب: الكورونا “X” والكورونا الإعلامي!

وصل عدد المصابين بفايروس كورونا المستجد إلى أكثر من 2.5 مليون إصابة، وسيصل إلى الملايين، وعشرات الملايين، لأن هناك قرار “عالمي” بالوصول إلى بذلك، وتلك هي مهمة الإعلام الأولى اليوم.
سيطرت الأخبار المتعلقة بكورونا على كل نشرات الأخبار العالمية. وغدا الخبر الأول والأخير للبطل “كوفيد 19″، الذي اضطر مكرهاً إلى نقل انتصاراته من أقصى الشرق، إلى أقصى الغرب، مروراً بتفاصيل الجميع، وكاشفاً سهولة الاختراق، وسهولة الإصابة وسهولة الموت، سيما في أفواه السياسيين، الملزمين بتسيير أعمال رأس المال المأزوم.
وكوفيد البطل سيعود ثانية بعد نهايته الأولى. باحثون غربيون يؤكدون ذلك استناداً إلى أبحاثهم الخاصة، ويتوقعون أنه بعد عامين أو ثلاثة وربما أربعة على أبعد تقدير، سيعود كوفيد “X” بالظهور كاشفاً عن أنياب دموية أخرى لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل.
منذ سنوات توقع بيل غيتس امبراطور “مايكروسوفت” ظهور فايروس قاتل، ويحاول مع شركته الضخمة منذ توقعه الغريب ذاك، تحت اسم آخر ومختصين متلبسين “باللقاح” استثمار الحالة لإيجاد رعب جديد للعالم المتخمين بالخوف.
كيف توحّد هذا العالم “المنقسم بشدّة”، حول كوفيد 19؟
كيف حبس كورونا سكان العالم في بيوتها؟
كيف انصاعت الأنظمة “الشاذة” تحديداً، لقرارات تتعلق بضرورة مواجهة العدو المجهري، وتقرّ علانية بأنه عدو خطير، رغم تصنيفها هي ذاتها بالفايروس الخطير؟
كيف شاءت الصدف أن يكون هذا المجهري خطيراً، في الفترة التي شهد فيها الاقتصاد العالمي ركوداً هو الأقسى بعد أزمة 1929؟
يتنامى كوفيد “X” اليوم في أمريكا، قائدة العالم المتصدّع، والتي تتصارع قنواتها في نقل أي فكرة عن الفايروس ونقيضتها، وتنقل في ذات الوقت كل المخاوف، حتى تلك التي لم تظهر بعد.
ذكر الإعلام الغربي، أن الفايروس القاتل، يهاجم المسنيين، قبل أن يفاجئ الجميع، أن كورونا “X” يسري في كل الفئات العمرية، فقد قتل شاب في اسبانيا، وطفل رضيع في أمريكا، وترقد الحوامل في المشفيات تنازعن، ويجب ألا يعتقد أحد في هذا العالم المتهالك، أنه بمنأى عن الإصابة، وربما عن الموت.
شركات كبرى أعلنت إفلاسها، رجال أعمال أعلنوا افلاسهم، تم تسريح عشرات آلاف العمال، طرق أغلقت، وحدود علّقت، ونزل الجيش في دول كثيرة، في دول لم تشهد نزول الجيش منذ الحرب العالمية الثانية.
عاش العالم حالات من الخوف تتشابه كثيراً، مع حالة الكورونا، وتختلف بالمقاييس، عندما أظهر نقلاً عن مصادر عالية المستوى، حيازة عراق صدام حسين، على أسلحة الدمار الشامل، بعد أن نفّذ إرهابيون يعيشون في كهوف قندهار الأفغانية أحداث 11 سبتمبر.
يومها صرخت “الدول الشاذة”، فقد عرفت أنها الثور التالي بعد ثوري أفغانستان والعراق. لكنها اليوم صمتت، ولحق كوفيدها الخاص بالكوفيد الإعلامي الدولي، وإن كان بخطا أبطأ.
بعد أفغنة العالم وعرقنته، انتقلت البشرية إلى حلقة أضعف، إلى نافذة حرية أضيق، ومساحات عنف لم تهدأ. فماذا سيحدث بعد “كورنة” العالم، بعد “كوفدته” وفق تسلسل زمني رياضي، يعجز المراقبون عن توصيفه.
كورونا “X” الناعم، أمام مهمة عالمية ضخمة، فقد حبس العالم بصخب كبير، ورعب شديد، حبس العالم الذي تحوّل إلى قرية مراقَبة، لن ينجو واحد فيها من المعاقبة.

عفرين.. حرب الميليشيات وحرب الزيتون!

عثرت مواطنة عفرينية على جثة عجوز “80” عام، معلّقة من رقبتها إلى شجرة في منزل ابنها الكائن في قرية “هيكجة” التابعة لناحية شيخ الحديد في عفرين، يوم السبت الماضي، وفق عفرين بوست.
وتدعى العجوز “فاطمة كنه”، وكانت ميليشيات ما يسمى الجيش الوطني التابع لتركيا، قد استولت على منزلها، فاضطرت “كنه” للسكن لدى أحد أولادها.
وتعرضت العجوز للضرب والخنق، وفق ما أظهرته الكدمات في جسدها، قبل أن يتم تعليقها من رقبتها للإيحاء بأنها أقدمت على الانتحار، وفق عفرين بوست.
وتستمر انتهاكات وجرائم الميليشيات المدعومة من تركيا في عفرين وفي غيرها من المناطق والمدن التي احتلتها.
يزيدية حرة
أفرجت الميليشيات الجهادية في عفرين، عن معتقلة كردية تنتمي للطائفة الايزدية، بعد اعتقال دام 40 يوماً، بدون توجيه أية تهمة لها. وفق مصادر مجلة ايزدينا.
وتدعى المواطنة كولة حسن، من قرية برج عبدالو، وكانت قد تعرضت للتعذيب في فترة اعتقالها.
واعتقلت الميليشيات في فترة سابقة غزالة بطال، ابنة “كولة حسن”، مدة تزيد عن 40 يوماً، وبدون توجيه أية تهمة أيضاً، قبل أن تطلق سراحها منتصف هذا الشهر.
وأصيب مواطن عفريني، بجروح بالغة، بعد أن انفجر فيه لغم، من الألغام التي زرعتها الميليشيات في مناطق متنوعة من عفرين. وفق المرصد السوري.

مقتل أتراك
من جهة أخرى، وفي عمليات تشير إلى مقاومة أهالي عفرين، على الانتهاكات والجرائم المستمرة التي يقوم بها الجيش التركي وميليشياته، قتل 3 جنود أتراك في عفرين، في عمليتين نوعيتين لقوات تحرير عفرين، انتقاماً لاستشهاد 3 من مقاتليها في 10 نيسان الحالي. وفق بيان نشرته القوات مؤخراً.
وذكر البيان أن العمليتين نفذتا في ناحية شيراوا ريف عفرين، مما أدى إلى تدمير آليات ومقتل 3 جنود.
كما ونشرت قوات تحرير عفرين مشاهد للعمليتين في اليوتيوب، تظهر استهداف المواقع العسكرية التركية ومرتزقتها في المنطقة بالصواريخ الحرارية.
حرب الزيتون
شن مقاتلو قوات تحرير عفرين هجوماً عنيفاً ومباغتاً بالقنابل اليدوية والاسلحة الرشاشة المتوسطة على مقر لميليشيا “صقور الشمال” في قرية كوردو التابعة لناحية بلبله. في بداية الاسبوع الماضي، وأدت العملية لمقتل 3 عناصر من الميليشيا، وجرح آخرين. وفق خبر 24.
وتواصل قوات تحرير عفرين مقاومتها، ومهاجمة القواعد والمقرات والعناصر التابعين للميليشيات أو للجيش التركي في عفرين، رداً على الانتهاكات والجرائم المتواصلة.

النفط الأمريكي.. تحت الصفر فوق الصفر!

للمرة الأولى في تاريخ النفط الأمريكي، يصل سعر البرميل إلى أدنى من 37 دولار تحت الصفر، وفق جلسة تداولات 20 نيسان، قبل أن يرتفع مجدداً في تداولات 21 نيسان، فما تفسير ذلك؟
تعتقد صحيفة “ذي غارديان” البريطانية، أن الفرصة قد تكون نادرة للحصول على نفط رخيص، في ظل تلاعب الشركات والمصنعين بأسعار النفط لغايات سياسية أو اقتصادية، لكن المشكلة الكبرى، هي أين يمكن تخزينه!
لماذا انهارت الأسعار
كان يوم 19 نيسان، آخر يوم يمكن لمنتجي النفط الأميركي تداول البراميل المقرر تسليمها من أجل الشهر القبل، شهر أيار.
ويتداول منتجو النفط الأمريكي البراميل بموجب عقود تسمى “العقود الآجلة لنفط غرب تكساس”. حيث تقوم شركات أو دول بالاتفاق على تبادل كميّة معيّنة من النفط خلال فترة زمنيّة معيّنة بسعر معيّن بغض النظر عن سعره في الأسواق العالمية، مع قابلية إلغاء العقود مباشرة.
وإذا كانت أزمة انهيار أسعار النفط مرتبطة فقط بالشهر القادم، فهل يعني ذلك أنه إذا استطاعت الدول التخلص من النفط الآن، فإن أزمة انهيار الاسعار ستتبدد؟
سبب آخر
يرى بعض المحللين أن الحدث التاريخي، مرتبط مباشرة بفايروس كورونا، فمع توقف الكثير من الأنشطة والحركة، غدا الطلب على النفط نادراً، وبوجود كميات كبيرة من العرض، بعد رغبة المتعاملين بالبيع، ومع امتلاء منشآت التخزين في المركز الرئيسي في كاشينغ في ولاية اوكلاهوما الأمريكية، ورفضها استلام أية كميات أخرى، توقف البيع، وانهارت الأسعار. وفق DW.
ساهم تفشّي فايروس كورونا حول العالم، بتوقّف الصناعات الثقيلة. والنفط الذي اشترته الدول المصنعة سابقاً، خدمة لصناعتها الثقيلة تم تخزينه بعد أن توقف نشاط إنتاجها، الأمر الذي أدى إلى امتلاء مخازنها بالنفط، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
خزنت أمريكا ما يقارب 19 مليون برميل خلال اسبوع واحد، وكمية مخزون النفط الموجود في حاملات النفط العالمية حول العالم يقدر ب 160 مليون برميل، وهذه الأرقام ضخمة للغاية في ظل توقف التصنيع والحركة. وفق عرب 48.
وعدم توقع نهاية وباء كوفيد 19 بصورة محددة، يزيد من أزمة النفط أيضاً، رغم أن بعض التقديرات تشير إلى بداية انحسار الوباء في الصيف، لكن البعض يعتقد أن هذه كلّها تكهّنات متفائلة، فقد أعلنت توقعات أخرى إلى أنّ أزمة الفايروس لن تنتهي قبل 12 شهرًا على الأقلّ، ما يعني صعوبة وضع خطط اقتصادية لما بعد الأزمة، على عكس أزمات أخرى ضربت العالم من قبل وأثّرت على صناعة النفط. وفق صحيفة أتلانتيك.
يعتقد محللون آخرون أن المسألة مرتبطة بحرب النفط الروسية السعودية، والتي ساهمت بانهيار أسعار النفط العالمي عموماً، لكن التأثير الأكبر كان على النفط الصخري الأمريكي واحتياطيات أمريكا عموماً.
وتوقعت شركات النفط العالمية، ارتفاعاً في أسعار النفط بعد الاتفاق الروسي السعودي على تقليص كمية الإنتاج، لكن الأحداث أكدت العكس.
وأعلنت منظمة أوبك في الاسبوع الماضي تخفيض الإنتاج بمقدار 10 مليون برميل يومياً، اعتباراً من أيار القادم، لكن ذلك لم يكن كافياً. وفق الشرق الأوسط.

وفي أول رد فعل له على هذه التطورات أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة، عن زيادة المخزون الاستراتيجي من النفط بمقدار 75 مليون.

لوحة أسماء ب30 مليون دولار!

عبر وكيل مجهول، اشترى الرئيس السوري “بشار الأسد” لوحة للرسام البريطاني، ديفيد هوكني، بأكثر من 23 مليون جنيه استرليني “30 مليون دولار”، في مزاد علني في لندن، الاسبوع الماضي، ليقدمها هدية لزوجته “أسماء الأسد”. وفق صحيفة “غوزنوفوستي” الروسية.
واسم اللوحة “The splash” وتصور لحظة غطس رجل في مسبح، والتي تحدث عنها الفنان البريطاني، ديفيد هوكني في فترة سابقة بقوله: “اللوحة تمثل نمط الحياة الخيالية في كاليفورنيا”.
وتحدثت صحيفة “الأنباء الفيدرالية” الروسية، في تقرير حديث لها، عن حالة الفساد التي تسود نظام الحكم في سوريا، وصوّرت أن عمليات اقتصادية وخطط روسية، كان يمكن أن تساهم في تنمية سوريا، لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب الفساد المستشري في سوريا، وعلى أعلى المستويات.
من جهته، اعتبر موقع المدن، أن حرب تصفيات تجري اليوم في سوريا، بين طرفين رئيسيين من النظام السوري، محمد مخلوف، خال الرئيس السوري وابنه رامي مخلوف من جهة، وأسماء الأسد زوجة الرئيس السوري من جهة ثانية.
وتأتي فضيحة شراء الرئيس السوري اللوحة الفنية، والتي تضاعفت 8 مرات عن ثمنها الأخير الذي بيعت به، على أرضية هذا الخلاف في هرم السلطة السورية.
ونشرت وكالة ستيب الإعلامية، معلومات رئيسية عن شركة “تكامل” التي استثمرت ما عرف بالبطاقة الذكية، وكيف أن ملكية هذه الشركة تعود إلى اسماء الاسد، وأقربائها. ويعتقد موقع المدن، أن فضح ملكية وأعمال شركة “تكامل”، يأتي كانتقام، لمصادرة اسماء الأسد لاستثمارات آل مخلوف في سوريا، والتي بدأت من شركة البستان، وصولاً إلى السوق الحرة، ولم تنته بشركات الخليوي.
وتأتي فضيحة شراء الرئيس السوري لوحة لزوجته ب”30″ مليون دولار، في سياق تعرية الوجه الفاسد الآخر في النظام السوري، من قبل أحد أهم أركانه، “آل مخلوف” الذين خسروا استثماراتهم وملكياتهم، وفق المدن.

من جهتها، وحول بيع لوحة الفنان البريطاني، وفي دار “سوسبيز” للمزادات في لندن، قالت إيما بيكر رئيسة مبيعات الفن المعاصر: “هذا ليس فقط عملاً بارزاً لديفيد هوكني، بل هو أيضاً رمز لفن البوب آرت، الذي يمثله هوكني”.

ويبلغ السعر الذي عرضه مشتر “مجهول الهوية”، ما يقرب من ثماني مرات المبلغ الذي حققه هذا العمل عند بيعه آخر مرة في مزاد العام 2006 في مقابل 2,9 مليون جنيه استرليني. وفق صحيفة الاتحاد الإماراتية.
ولد ديفيد هوكني في شهر تموز عام 1937 في مدينة برادفورد البريطانية ويعتبرمن أشهرالرسامين البريطانيين في القرن العشرين. ويعتبر أيضاً أحد أغنى الفنانين العالميين الذين تباع لوحاته بأغلى االأثمان، وهو على قيد الحياة. وفق DW.

الكهرباء.. تقنين في سوريا وتصدير إلى لبنان!

إن سبب تقنين الكهرباء في سوريا في الفترة الماضية، هو تصديرها إلى لبنان، وليس بسبب سيطرة الإرهابيين على حقول غاز في مناطق حيان والشاعر، شرقي مدينة حمص، ومنعهم ورود مادة الغاز الطبيعي إلى محطات الكهرباء، وفق تقرير اقتصادي في صحيفة “الأنباء الفيدرالية” الروسية، التي يمولها صديق الرئيس الروسي الملياردير يفغيني بريغوجين، ترجمه موقع مدن.

أخبار كاذبة
وذكر التقرير الروسي للصحفي “ميخائيل تسيبلاييف” أن الحكومة السورية، نشرت أخباراً زائفة عن سيطرة الإرهابيين على حقول الغاز في شرقي حمص، للتغطية على أزمة التقنين الكهربائي التي سلكتها.
وكشف المراسل الحربي الروسي اوليغ بلوخين زيف الأخبار الحكومية، عن سيطرة الإرهابيين على حقول الغاز، ونشر في قناته في تيليجرام، أن القضية تكمن في التغطية على تصدير الغاز إلى لبنان.
وتصدر الحكومة السورية الكهرباء إلى لبنان بموجب اتفاق سابق في 2013، والذي أعاده عماد خميس رئيس الحكومة السورية للعمل في 2019.
وأسفر تصدير مادة الكهرباء إلى لبنان، إلى ضياع عشرات الملايين من الدولارات، بسبب الفساد المستشري في الحكومة وبين المسؤولين، والتي كان يمكن استخدامها “هذه الأموال” لحل أزمة السوريين المعيشية. وفق التقرير.

بيان حكومي
وذكرت الحكومة السورية في بيان سابق في موقعها، أن الوضع الأمني غير المستقر في حقول الغاز في حيان والشاعر شرقي حمص، تسبب في انخفاض كمية الغاز الواصلة إلى محطات الكهرباء بنسبة 30%، الأمر الذي أدى إلى إعادة جدولة برنامج تقنين الكهرباء الموزعة على المحافظات.
وأضاف البيان، أن الحكومة السورية في صدد إعادة تأمين الغاز الضروري لإنتاج الكهرباء، من مصادر مختلفة.
وذكر المرصد السوري، أن طائرات روسية شاركت في مواجهة هجوم “تنظيم داعش” على حقول الغاز، وأن التنظيم الإرهابي، تمكن من إسقاط طائرة مسيرة روسية.

لماذا
وتظهر تقارير في الصحافة الروسية بين الفترة والأخرى، للحديث عن فساد النظام السوري وفساد حكومته، في كل مرحلة تحتاج فيها روسيا للضغط على الأسد في مسائل اقتصادية وسياسية وعسكرية، والحصول على تنازلات بطريقة نظامية، باعتبارها تتحدث بشكل دائم، أن المؤسسة الرئاسية السورية هي مؤسسة شرعية.
وتحدث قدري جميل، رئيس منصة موسكو سابقاً، أن حجم الفساد في سوريا كبير للغاية، وهو يعيق تنمية البلاد، ويعيق تحسين مستويات المعيشة للسوريين، وأن عدد المليارديرات في سوريا ارتفع من اثنين، قبل الأزمة إلى عشرات الآن.
وذكر تقرير الصحيفة الروسية، أن فساد حكومة خميس وثراءها ونقل أموالها للغرب، والمشاكل الكبيرة في الاقتصاد، والفساد التام في القطاع العام، سبب رئيسي في رفض الشركات الروسية للعمل في سوريا، وعدم تمكن الشركات التي تعمل من مواصلة عملها، وتنفيذ خططها.

الجلاء في عيده الرابع والسبعين

تمر اليوم الذكرى الرابعة والسبعين لجلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا في 17 نيسان عام 1946، وسط حالة من الفوضى والتشتت يعيشها السوريون في داخل سوريا وخارجها.
تكاثرت اليوم الاحتلالات في سوريا، وتنافست المصالح، وتصارعت القوى، وسادت الانقسامات القومية والطائفية والسياسية. وعجزت سطوة النظام السوري عن لجم الساحة السورية، بعد أن استطاع لجمها خلال سنوات طويلة من حكمه.
والشعب السوري الذي خرج في آذار عام 2011 طلباً للحريات، وأملاً في نهاية قانون الطوارئ والأحكام العرفية، يصحو اليوم على أزمة كبيرة وخطيرة، تهدد وجوده وجغرافيته.
ومرت سوريا بأزمات سابقة قاسية وخطيرة، ولعل أبرزها، كانت الاحتلال الفرنسي، وما سببه من انقسامات عرقية وطائفية.
يشهد تاريخ سوريا المعاصر، أن الشعوب السورية وقياداتها السياسية والاجتماعية، توحدت تحت معايير واضحة وثابتة، واستطاعت بإرادتها، أن تطرد المحتل، وتحصل على استقلال ترابها.
وإذا كان يوم الجلاء هو اختصار لنضال وتضحيات تشارك فيها السوريون في كل مناطقهم، وبمختلف طوائفهم وقومياتهم، فإن الجلاء الذي نأمل به في حزب سوريا المستقبل، بعد سنوات الحرب القاسية، لن يكون إلا بكامل قوى الشعوب السورية، وبمختلف انتماءاتها القومية والدينية والسياسية.
في يوم الجلاء، ونحن نعيش الأزمة السورية المركبة، نستلهم إراداة السوريين في فترة الانتداب الفرنسي، وقوتهم وعنفوانهم، نتذكر القيم العظيمة التي جعلتهم يترفعون عن مشاكلهم الداخلية، ويوجهون بنادقهم باتجاه المعتدي، إلى أن تكللت جهودهم بالجلاء.
تمر ذكرى الجلاء اليوم، وسط انقسامات خطيرة في سوريا، وتغيير ديمغرافي وتطهير عرقي، وانكسارات لم ينجُ منها الكثيرون. لكن الضوء انبثق من مناطق شمال وشرق سوريا، وأظهر أن نواة حقيقية لجلاء قادم أنبت، واشتد عوده.
إننا في حزب سوريا المستقبل، وفي يوم الجلاء، نؤكد من جديد، أن الحل السياسي للأزمة السورية سيفتح المجال واسعاً لجلاء آخر، وأن تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة السورية وعلى رأسها القرار 2254 مفتاح حقيقي لجلاء آخر، جلاء كل الاحتلالات عن سوريا، لتكون سوريا حرة موحدة، دولة مدنية ديمقراطية، لا مركزية يسودها القانون. دولة تهنأ فيها شعوبها كاملة، ويتفاخر بها السوريون.
الرقة
17 نيسان 2020
حزب سوريا المستقبل

البطاقة الذكية.. مخبر في كل بيت!

درج استعمال البطاقة الذكية لكل اسرة في سوريا، من أجل شراء السلع الاستهلاكية، من مواد تموينية ومحروقات، وفق وكالة Step الإعلامية.
ويمكن الحصول على البطاقة الذكية من شركة “تكامل” التي تعود ملكيتها ل”أسماء الأسد” زوجة الرئيس السوري.
ويبرز الهدف الحقيقي للبطاقة الذكية، وهو بناء قاعدة بيانات استخباراتية لكل الأسر السورية، وتتضمن هذه القاعدة، العنوان ونطاق الحركة والأصدقاء، والوضع المعيشي وكل تفصيل يتعلق بالحياة اليومية لكل سوري وسورية، وسرقة بيانات الهاتف بعد تنزيل التطبيق الخاص بالبطاقة، ووصله بالفيس بوك وتويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي لسرقة بياناتها أيضاً.
ويشير اهتمام النظام السوري بمشروع البطاقة الذكية، على أنه مشروع تجسسي واسع النطاق، بالإضافة إلى كونه مشروع ربحي، لأنه يضخ أرباحاً تقدر بالمليارات.
ويختفي اسم “أسماء الأسد” عند الحديث عن مالكي شركة “تكامل” إعلامياً وشعبياً، ليظهر اسم آخر من المسؤولين عنها، هو مهند الدباغ، باعتباره رجل أعمال “موهوب” له حصة 30% من المشروع، بصفته رئيس مجلس الإدارة في الشركة.
كان الدباغ موقوفاً جنائياً قبل الأحداث في سوريا، بتهمة التنقيب عن الآثار وتهريبها.
أطلق الأمن السوري سراح الدباغ من السجن مع بداية الأحداث السورية بوساطة من أسماء الأسد، وفق وكالة ستيب.
والدباغ هو ابن خالة أسماء الأسد، وخاله محمد ناجي العطري رئيس وزراء سوريا السابق، وشريك ال 5% عن كل مشروع يقيمه أي رجل أعمال في سوريا في الفترة التي حكم فيها رئاسة الوزراء السورية.
وتناقلت الأخبار أن شركة “تكامل” مسجلة وذات ترخيص نظامي، باسم شقيق “أسماء الأسد” وهو “فراس الأخرس”.
ويشارك في إدارة الشركة، مجموعة كبيرة ومهمة من المسؤولين السوريين الذين يترددون بشكل كثيف على القصر الجمهوري، إما بسبب الوظيفة الوهمية التي يقومون بها، أو بسبب عملهم داخل شركة “تكامل”.
ومن بين أهم المسؤولين، يظهر اسم “منصور عزام”، وزير شؤون القصر الاقتصادية، و”لينا كناية” المسؤولة عن المتابعة الاقتصدية في القصر الجمهوري، و”علي غانم” وزير النفط والثروة المعدنية.
وبموجب عقد بين شركة “تكامل” والحكومة السورية، تحصل الشركة على مبلغ 400 ليرة سورية لقاء الحصول على بطاقة واحدة، وتم تخصيص 3 مليون بطاقة منها حتى الآن. بالإضافة للحصول على نسبة ما، لقاء تعبئة مادة المازوت أو البنزين، أو الغاز المنزلي. وتحصل الشركة أيضاً على رسوم إضافية، عن كل مرة تستخدم فيها البطاقة للحصول على مواد تموينية. وفق وكالة ستيب.

طالب ابراهيم يكتب: “مسد” توحّد المتصارعين!

تصريح غير مسؤول وغير مهني، من المنسق الإعلامي لمجلس سوريا الديمقراطية في اوروبا ابراهيم ابراهيم، حول إرهابية إدلب وشعبها، وحّد المعسكرات المتصارعة فيما بينها.
طالب الائتلاف السوري “المعارض” بتحويل ابراهيم إلى المحاكم الدانماركية بتهم نشر الكراهية، والتحريض على القتل والإرهاب، في صورة يريد منها إظهار وجه إنساني له، في حقل القتل الدائم الذي يمثله.
وطالب ثوار إدلب بالقصاص. وأعادت مواقع للمعارضات السورية، وصفحات لنافذين فيديوات “مفبركة” لانتهاكات عناصر من “قسد” بحق السوريين. واسترسل ناشطون صحفيون معارضون في مواقع صحفية ناشطة معارضة بكتاباتهم حول معنى الإرهاب “الكردي”، والانتهاكات “الكردية”، والحساب “الكردي”.
وطالبت ريم تركماني الناشطة السياسية وربما المدنية، بإحالة القضية إلى المحاكم الدانماركية لمحاسبة ابراهيم “إنسانياً”، قبل أن تتراجع بعد أن اعتذر منسق “مسد” عن تصريحه.
لا يمثل الائتلاف السوري، المعارضات السورية المنقسمة والمتصارعة، والتي تخدم أكثر من جهة وأكثر من مموّل، والتي تنقّل أعضاؤها خلال سنوات الحرب الفظيعة، من جهة إلى جهة، ومن شعار إلى شعار، بحسب ميلان ميزان النصر أو ميزان المال أو ميزان المناصب.
لكن لا شيء الآن يعادل سعادة أفراده، سوى ربما محركهم السيد اردوغان، رغم أزماته الداخلية والخارجية المتلاحقة، بعد التصريح المشؤوم، وغير المسؤول لمنسق إعلام “مسد” في أوروبا، على تلفزيون سوريا، التلفزيون الملون بأجندة تركية على أموال قطرية، وبإدارة ناشطين سياسيين وثوار ملونين، يتميزون بذاكرة شبيهة بذاكرة السمك الأحمر.
أقال مجلس سوريا الديمقراطية، المنسق الأوروبي، وذكر في بيان واضح، أن الإقاله تمت بسبب تصريحه غير المسؤول، والذي لا يعبر عن أفكار وقناعات “مسد” ولا الإدارة الذاتية ولا قوات سوريا الديمقراطية.
ذكر الرئيس السوري في أكثر من خطاب، وأكثر من مقابلة تلفزيونية، أن إدلب إما إرهابية أو حاضنة للإرهاب.
لكن وفي ظل الحرب المتواصلة التي شنها النظام السوري وروسيا في فترات سابقة، على إدلب، ناشد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “مظلوم كوباني” أهالي إدلب بالتوجه إلى مناطق الإدارة الذاتية، لأن لهم أهل هناك وأصدقاء ورفاق ومسكن ومستقبل. رغم ما أظهره بعض سكان إدلب في فترات كثيرة، من ضرورة القضاء على الشعب الكردي في مناطق شمال وشرق سوريا، وفي كل مكان. ورغم تصريحات “داعشيين سوريين” بلباس معارضين وحقوقيين وناشطين مدنيين ورجال أعمال ومال، أن الشعب الكردي خارج التاريخ وخارج الجغرافية.
قدّم الائتلاف السوري، باعتباره ائتلاف الأخوان في بياناته وخطابات عناصره، تبريرات دائمة، لاحتلال تركيا للشمال السوري، وقتل شعوبه وتهجيرهم وتغيير طابعه الديمغرافي، سيما إن تركيا “دولة مسلمة” وشعوب شمال سوريا هم إرهابيون أو حاضنة لهم.
يبرر النظام السوري قتل المدنيين في إدلب وفي باقي المحافظات، لأنهم حاضنة للإرهاب، كما يفعل تماماً بعض أعضاء مجلس شعبه، وبعض وزرائه وبعض مسؤوليه وبعض مريديه ومناصريه.
ويبرر ائتلاف الاخوان قتل اردوغان لشعوب الشمال السوري، لأنهم حواضن للإرهاب، “وحتى يصدق نفسه على الأقل”، يضع اسم حزب العمال الكردستاني، “المخرز في عين الدولة العميقة والسطحية في تركيا”، في كل بيان تبريري، ليكون دافعاً قويّاً لقتل الشعوب وتهجيرها وتوطين عوائل الميليشيات التي تخدم أجندة الجيش التركي، بديلاً عنهم.
القصة ليست مجموعة ذقون محلوقة أو منتوفة أو متروكة في ائتلاف اخواني أو ائتلاف معارض أو مهادن، وليست تلفزيون سوري بأجندة تركية ومال قطري وذاكرات سمك أحمر، وليست اخوان باعتبارهم قتلة مأجورين، وليست اردوغان باعتباره واجهة اسلامية داعشية ب”كرافيتة”، وإنما القصة، أنهم أدوات ملونة وخبيثة، لدولة تركيا العميقة، في طور تبديل أدواتها.

سربست نبي يكتب: الكوردي الجيد والكساد الأخلاقي للمعارضة!

سبق لي وأن أشرت إلى أن الثورة السورية فشلت في الانتصار أخلاقياً على الجلاد، قبل أن تسقط سياسياً وعملياً أمام جيش نظامه. فما أحدثته من انقسام وما أثارته من كرنفالات الكراهية بين المكونات السورية لم يسبق للسوريين أن تعرفوا عليه في تاريخهم القريب والبعيد. إذ خلّفت وراءها صدوعاً وانهيارات أخلاقية، وعلى جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية، يستحيل علينا تجاوزها في زمن قصير. وربما تطبع بطابعها التراجيدي الخاص الهوية السورية وتترك فيها ندوباً وجراحاً مفتوحة لأمد طويل.
إن كلّ ثورة تحتاج إلى اتساق أخلاقي معين في المبادئ، وإن انطوت على اختلافات سياسية جليّة. فالتاريخ لا يعرف ثورات محض أخلاقية، وحتى ثورات الأنبياء والرسل كانت لها هفوات أخلاقية جلية. ولم يسبق للتاريخ أن شهد ثورة للملائكة أو القديسين، هذه موجودة في الأساطير فقط. ولكن الثورة إن كانت خالية من القيم أو لا تملك ضوابط أخلاقية أو سياسية، ولا تساهم في إنتاج قيم إنسانية جديدة، وقيم حياة جديدة، وبالنتيجة بشراً من طراز جديد تستحيل إلى كارثة، وتعيد إنتاج أشدّ أشكال البؤس تخلفاً. والتاريخ يعلمنا أن جميع قوى التغيير والمعارضات في العالم التي قامت بالثورات وأحدثت تحولاً عظيماً في أوطانها وأوضاعها، إنما أنتجت، في الوقت ذاته، قيماً وطنية سامية أرقى وأكثر تقدماً، ورسخوا القيم الإيجابية القديمة، قيم الانتماء والتضامن الوطني. والحال حتى الآن، أن المعارضة السورية عجزت عن بلورة قيم وطنية جديدة تعكس انتماءاً وطنياً أسمى، على العكس من ذلك، كلما مضى الوقت أكثر تعرّت أكثر من القيم الوطنية والأخلاقية، وغاصت وتمترست وراء قيم أيديولوجية في غاية التخلّف والسلبية ورهنت إرادتها لأجندة غير وطنية.
لعل أبرز مثال على ذلك، ما تعرّض له الشعب الكوردي من إهانات بالجملة واحتقار وازدراء ليس فقط من قبل عوام المرتزقة التابعين للإئتلاف المعارض لدى اجتياحهم المناطق الكوردية، وأفرغوا زخّات شتائمهم البذيئة ونابيّتهم، التي تنمّ عن كراهية وانحطاط تربوي في المنشأ بحق شعب بكامله. كذلك الأمر مع نخب ورموز( المعمعة) السورية، الذين لم يتوانوا بكل حقد وصفاقة في الإفصاح عن تركة الوضاعة والسوقية لديهم، التي تعكس القاع الأخلاقي العميق لثقافتهم وتربيتهم الأيديولوجية. فمن قائل بأن أصول الكورد غجر إلى أجير النظام سابقاً القائل بأنهم( بويجية) وماسحي أحذية إلى المهرّج الثورچي، الذي نفى عنهم صفة الآدمية… الخ دونكم بأحكام التكفير التي أطلقها شيوخ التكفير التابعين لعصابات الإخوان، بحق الكورد وغيرهم، التي بررت قتلهم وسبيّ نسائهم والسطو على أملاكهم ونهبها.
إن ما تعرّض له الكورد على يد أولئك( الثورچية) في زمن( الثورة) السورية من ازدراء وإسقاط أخلاقي لم يسبق أن تعرضوا له حتى في ظلّ نظامي صدام حسين أو الأسد، اللذين رغم قسوتهما وفاشيتهما القوموية لم يبلغا هذا المبلغ من الضعة والسوقية. إذ رغم المجاز والقتل كان التوقير الأخلاقي للضحية لدى الطاغيتين ربما أفضل من ابتذال ودونية ثورجية المعمعة السورية. وهذا مايعزز لديّ القناعة بأن هؤلاء الذين لم يبلغوا ذاك الحدّ من السطوة والقوة، التي كانت لدى النظامين البعثيين، لو قيّض لهم النصر وتمكنّوا لأقدموا على ما هو أسوأ وأكثر توحشاً وإجراماً منهما.
هذه المفارقة تفضي بنا إلى نتيجة واحدة على الأقل، هي أن هذه( الثورة) تقدمت منذ البداية نحو إثبات ذاتها سياسياً دون أيّ رأسمال أخلاقي رمزي مشترك، أو دون أن تتراكم لديها ميراث أخلاقي حيث وضعت نصب أعينها غاية وحيدة ورئيسة هي الاستيلاء على السلطة وإسقاط النظام القائم أيّاً كانت الوسائل المستخدمة. ويبدو لنا في نهاية المطاف أن هذه( الثورة)، التي تحوّلت إلى كرنفال للدم والخراب، لم تعد قادرة على ضمان حقوق الضحايا والمقهورين المهدورة في زمن الاستبداد، ولكنها تبدو معنية أكثر بالحفاظ على امتيازات أعوان الجلاد وعملائه الذين أمعنوا في الاستزلام له طوال تلك الفترة وانشقوا عنه في برهة غرق سفينة الاستبداد، ليصبحوا هم الأوصياء على دماء الضحايا الآن وسادة العربدة الثورية.
هلّ يمكن تفسير هذا الأمر بمجرد القول إنه سلوك فردي لا أخلاقي؟ بالتأكيد لا، فما يقبع خلف هذه الآراء والمواقف هو نمط متكامل من الخطاب السياسي والأيديولوجي وجملة من الممارسات الخطابية ومنظوم قيم ومعايير باتت راسخة، وغدت عادات أصيلة في تفكير المعارض السوري وسلوكه، المحسوب على التيارات الإخوانية والعروبية، وهي في جملتها ما يمكن أن نطلق عليها مفهوم( العقل الأخلاقي) للمعارضة السورية. إنه خطاب أزمة يعكس هزيمة العقل السياسي الحامل له منطقياً وواقعياً، فهو يبحث عن ضحية أخرى يبرر بها هزيمته، وينتقم منها كي يستعيض بها شجاعته المفقودة.
الثورچي اليوم، الذي تربى في كنف النظام، ورضع من ثدي أيدولوجيته وقيمه السياسية، وعاش تحت فضاء من الشعارات والرموز السياسية والتربوية، وكان متطبعاً ولايزال بهذا المجال، ليس من السهل عليه التحرر منه بالسهولة ذاتها التي قفز بها من قارب النظام المنخور بين عشية وضحاها. وبالنتيجة لا نكون إزاء إنسان متحرر من سلطة الجلاد وسلوكه، وإنما مجرد ضحية مشوّهة لا يزال يثوي داخلها طاغية قزم وتافه، يحفزّها الغلّ والكراهية والرغبة في الانتقام من كل ما يقع في طريق تطلعاتها إلى ممارسة دور الجلاد.
يبرر هذا الاستنتاج إن جميع من أذاق الآخرين صنوف القهر والعذاب، من اعتقل الناس، المخبر الذي كان يلاحق أنفاس البشر ويذيل تقاريره الكيدية عن حركاتهم، الجلاد الذي كان يفترس ضحاياه في الزنازين، المحقق، اللص وناهب المدن، المرتزق الذي كان يخرج في كل أوان ليهتف باسم القائد الخالد ويرغم الناس على الهتاف معه، الفاشي والعنصري الذي كان يطعن في هوية المختلفين معه وانتمائهم، المتعصب والمهووس بإيذاء الآخرين. كلّ هؤلاء أصبحوا في صفّ الثورة لما شعروا أن قارب النظام المنخور بات على وشك الغرق. وبعضهم أصبح ناطقاً باسمها ورمزاً لها. من عارض النظام وعارض هؤلاء ولوحق وفرّ من البلد ثائراً لحقه هؤلاء واغتصبوا ثورته، إذاً ما مبرر بقائه ضمن هذه الثورة، إذا كانت كتلة الشرّ أصبحت كلها في هذه الضفة، ألا نحتاج إلى ثورة أخرى على هذه الثورة كي تتطهر من جميع الشرور التي لحقت بها حتى أصبحت ضد مبدئها بالذات؟
فضلاً عما سبق فإن الخطاب السياسي للجماعات الإسلامية والقوموية المعارضة، قدمت على الدوام لمثل هذا الثورچي موارد نظرية يبرر بها رؤاه ومواقفه ليس من الكورد فحسب، وإنما أيضاً من جميع المكونات الهوية السورية، مثل الطوائف، العلوية، الدروز إلخ. فموقف الازدراء والاستعلاء يظل مطبوعاً وطاغياً على نظرتهم وموقفهم اتجاه الجميع. إلا أنه يتخذ في الحالة الكوردية طابعاً أشد حدّة وتطرفاً، لأن الكورد يشكلون تحديّاً سياسياً وربما وجودياً في وعيهم.
هناك فجور سياسي وأخلاقي صارخ سائد في سلوك أطراف عديدة وأفرادها. انتحال مفضوح ومريب لدماء ضحايا الشعب السوري. بعضهم يطالب باحترام وتقديس بعض القضايا الوطنية وهو ذاته من يخونها سرّاً وعلانية. بعضهم يعلن صراحة تمثيله للشعب السوري، ويؤكدون على ذلك مراراً وتكراراً ويحث الشارع والآخرين على مبايعته وفي الوقت ذاته هو نفسه لا يحترم هذا الشعب وقيمه وتنوّعه، ولا يحترم الثقة التي منحه إياها الشارع. عدد من رموز الثقافة السورية والسياسيين المعارضين، ممن كنّا نعتقد فيهم السمو، كشفوا طوال عقد من الزمن عن ضيق أفق وتعصب لا يليق إلا بمتطرف يهودي مهووس بيوم السبت. فضحتهم انفعالاتهم الحقيقية ومشاعرهم المقنعة بعبارات العقلانية والتسامح الفضفاضة. روائح الكراهية الطائفية والقوموية التي لا تطاق أخذت تفوح بقوة من كلماتهم.
هذه الرؤوس الساخنة في المعارضة السورية خدمت النظام أكثر من أزلامه ومرتزقته، الرؤوس الساخنة التي تجاهلت حقائق الوضع السوري، وتعاطت معها بنفس منطق النظام. الرؤوس الساخنة، التي أرادت أن تقدّ مستقبل سوريا طبقاً لأهوائها وأوهامها الأيديولوجية، الرؤوس الساخنة، التي لم تدرك بعد أن البلاد باتت غارقة في هاوية الحرب الأهلية وهي لاتزال تتبجح وتتغطرس وتعاند. لأنها ببساطة شديدة جرّدت كل دعوى أو مطلب سياسي من أبعاده الأخلاقية. تأكيد الذات وثنياً، الوعي المشوّه بالكرامة الفردية والجماعية، ردّات الفعل المنحرفة، ازدواجية المعايير الأخلاقية وغياب الاتساق في الوجدان الجمعي، النخوة المجانية، المكابرة الفارغة ومعاندة التقدم، الضجيج الاستعراضي والزعيق الأرعن الناجمين عن غيرة زائفة، الهستيريا القطيعية المتطرفة المصحوبة بالرغبة في الانتقام، الذاكرة الانتقائية، النزعة الإيمانية المنافقة والسطحية، كلها مظاهر لأزمة العقل الأخلاقي وتناقضه، حيث تجدونها جليّة وصارخة في تظاهرات السلوك السياسي للمعارضة السورية، بخاصة تلك القابعة في استنبول وتدار من هناك بمقود المخابرات التركية.
بالطبع لا يمكن تفسير هذا الفجور الأخلاقي والصفاقة لدى هؤلاء وغيرهم، بل والسياسي كذلك، بموجب هذا الأمر فحسب. ذلك أن النخب السياسية والثقافية أيضاً تهاونت منذ البداية مع مثل هذه المواقف. بل إن الكثيرين منهم تهاونوا مع الأمر وعدوّه أمراً عارضاَ. مثلما أن الكثيرين ممن أسميتهم في وقت مبكر بـ( بالأكراد الجيدين) و اكتسبوا أخيراً صفة الـ( أوادم) قبلوا على أنفسهم هذا الخزي وصفقوا لمثل هذه العربدة بحق شعبهم بدونيّة ودون خجل. فالمهم بالنسبة إليهم أن يتدرجوا مع هؤلاء وينخرطوا في الفضاء السياسي والثقافي السوري ذاته. إن استجداء رضى المعارض السوري، كان أقصى ما يتطلع إليه أشباه السياسة والثقافة الكورديتين، شرط أن يتحلل من كورديته( السيئة) أو( الرديئة) التي كانت على الدوام تثير حفيظة هذا( المثقف)، فالكوردي الجيد هو وحده الكوردي العقلاني المعتدل في هذه الأوقات، بنظر المعارضة العروبية والإسلامية، إنه الكوردي المطيع، غير مشاكس، غير نزق، الساذج، المرن إلى أقصى حدّ. أي المساوم والناعم، الأملس والظريف في نظر المالح والبيانوني والشقفة وجميع البطانة الإسلامانية والقوميين الجدد ومعظم السوقيين من جوقة البذاءات والشتائم. إنه الكوردي المداهن، المنافق والمتملق، الذي لا يكفّ عن التهليل والإعجاب بتفاهات المثقف( السوركي)، الوضيع والمتدني أمام ترفع وغطرسة الأخير، يعترف بسيادته ورعايته له، ويقبل لنفسه بدور التابع الدوني، ويتوائم باستمرار مع مزاعمه بالتفوق والحكمة والوصاية والسيادة. ويبدي استعداده على التعايش مع جميع مزاعمه وأوهامه الأيديولوجية عن الأمة الخالدة والهوية والمصير المشترك، وأن تستجيب مع منطقه السياسي وتتسق مع توجهاته العنصرية.
الكوردي الجيد يراد به في هذه الحالة الكوردي الوديع واللطيف، وحتى الرومانسي الذي يتغنى بأمجاد العروبة، ويحلم بوطنية مصاغة على هوى الآخرين. وبالمقابل قد يضطر أحياناً إلى أن يحتقر ذاته ويتخلص من كل ما يمتّ إلى هويته وانتمائه بصلة كي يتوافق وينسجم مع غرور وغطرسة سيده المعارض. عليه الاستعداد أن يكفّر بكل انتماء له أو حق، وحتى أن يمحى ذاته ويتماه في عباءة سيده. إنه الكوردي المتحرر من حالة الاحتقان الأيديولوجي الناشئ عن الشعور بالقهر، المتطهر من وباء كراهية الأوغاد العنصريين، الذين ينكرون حق البشر في الكرامة والمساواة. إنه الكوردي المطلوب الآن بإلحاح شديد في جميع المناسبات والأوقات. إنه مسخ ( العروبي الجيد) في نظر الأمريكيين أو الأوروبيين ونسخة كاريكاتيرية عنه. وخلاف ذلك هو الكوردي العنصري المقيت، الكوردي السيء والقبيح بنظرهم، الذي يفتقر إلى الحس الإنساني بالكرامة.
الكوردي الجيّد، هو الذي يكفّر بانتمائه الكوردي لتأكيد هويّة لا معنى لها ولا مبرر إلا تحت رايات البعثيين الجدد أو أشقائهم من ورثة ثقافة التكفير الصدئة. وبأخصر القول، الكوردي الجيد، المطلوب بشدة، والمرغوب فيه هذه الأيام، هو العديم الكرامة، الفاقد للجرأة والشجاعة، المعتاد المذلة و الهوان، العاجز عن أن يجد نفسه إلا عبداً و تابعاً لجلاده. وفي المحصلة بدا هذا الـ( الكوردي الجيد)حتى في نظر الثورچي، مثاله الأبهى، مجرد مهرج ( آدمي من الأوادم)سياسي أو ثقافي، فاقد للهيبة والجدارة.
إن عملية تسفيه الشعب الكوردي وقضيته كانت مقصودة، خدم خلالها العديد من الأفراد والأحزاب الكوردية أجندة المعارضة القوموية/ الإسلاموية، ولم تساهم في الحفاظ على وقار وهيبة شعبهم أو قضيتهم حتى صرنا نستجدي آدميتنا من( مهرج) تافه، ممثل فاشل، أو لص يعتقد أنه قادر علي رفع الكرة الأرضية برأس اصبعه إن شتم الكورد وأمعن في إهانتهم والتقليل من آدميتهم.

سربست نبي، أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة كويه- كوردستان العراق