مثنى عبد الكريم يكتب: حكاية الوطن المحروق!

1٬146

 

عندما تبتعد عن الناس، وعن واقعهم، ثم تجلس في عرشك العاجي محاطاً بعتاد وعدة وزبانية كانوا بالأمس وحتى الأمس القريب بلا هوية. أمثالهم هم من يصنعون الطغاة بالشد على أياديهم.

يصفقون، ويهللون، ويزغردون، ويمجدون، وينحنون مطأطئي رؤوسهم في حضرة العرش العاجي المأثوم. عندها اعرف ياصديقي أنه الآن قد بدأت حكاية وطن.

كلام قاله عجوز تخطى عتبة التسعين. كان يحلم منذ عقود ومنذ أجيال ومنذ بدء التكوين يحلم بأنه سيعيش في وطن بالتأكيد هو ليس الكاميلوت (المدينة الفاضلة) ولكنه وطن تخونه الدمعة التي تنزل في تجاعيد وجهه، قائلا انقذوا ما تبقى من حلم وتعال يا ولدي لأحكي لك عن حلم أخاف أن يضيع فأدركوه ومستقبل أخشى أن يخفت نوره، فأوقدوه اسمع ياولدي:

يحكى أنه في يوم من الأيام كان هناك وطن، وكان كالأم يجمع أولاده حوله وحول ناره ونوره، لكن الذئاب التي ترتدي أثواب الحملان وعمائم الشر ومسوح الرهبان وأوراق من علمانية، فصلوا مقاساتها على مقاساتهم، وبما يناسبهم قطعوا أجزاء من الأم ليبيعوها لتجار العهر، ويصبر الوطن، وتبكي الأم، وتنتحب الثكلى، ويجلس اليتامى في زاوية حاوية مظلمة، ويبحثون و يبحثون عن لقمة خبز أكلها العفن ليغطسوها بدمعة ويبكوا القهر.

عندما يرون رجالاً كانوا بالأمس يبكون الظلم، وأي ظلم! ظلم ذوي القربى أشد قتامةً. يحكى أن الوطن المسروق المخروق المشنوق المخزوق المحروق المقطع حاول أن يتنفس.. حاول أن يودع المسكين في غرفة الإنعاش، ويبدأ الهتاف عاش الوطن عااااش… عاش الوطن عااااااش..

ويصرخ الطغاة هلموا يا جباة، ولتدفع الأثمان لعملية الانعاش، وليلبس الشعب المسحوق الأكفان ولتقرع الأجراس، وترفع الصلوات تجمعوا…. تجمعوا… في أوسع الساحات ولتمتلئ جنباتها ولتذبح الذبائح، فالوطن غالي، وستدفع الشعوب، وتدفع الشعوب، وتحسر النساء عن شعورهن ليندبن الوطن، وها هو الوطن…. الوطن يخرج من غرفة الانعاش.

محمولاً على صفحات الخطابات والبيانات والشعارات وأوراق التاريخ، وفوق أقلام الطغاة والمتملقين.

يصرخ الوطن عندما يرى اولاده مهجرين مشردين مشرذمين على ترابه بلا قيمة وأي قيمة لصحيفة من الحديد أكلها الصدأ.

يبكي الوطن حزناً وكمداً ويشرب الحثالة كأسه، ويثملون، وأي خمرة هذه يقول أحدهم ليجيب آخر انها صرخات القهر، وآهات الظلم، ودموع الجوع، وبعض العُهر، وخوف طفل من مجهول.

يصرخ الجميع ما أروع هذه الخمرة وترفع الكؤوس وترفع الكؤوس..

ينهض العجوز في كرسيه كنخلةٍ. زيتونة. حبة قمح أراد أن يحرقها عابر، لكنها تشمخ بعنفوان. تبرق العيون، ويشرق الجبين، يقول يا ولدي هناك أمل.. تنزل دمعة.. تحمل الأمل في طيات الألم.. لابد أن تشرق الشمس وإن طال الليل. لابد للربيع أن يأتي، وإن طال الشتاء، وستحكي يا ولدي يوماً حكاية لوطن نهض رغم كل الحرائق.

#حزب_سوريا_المستقبل
مثنى عبدالكريم رئيس فرع الطبقة لحزب سوريا المستقبل

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كُتَّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.