طالب إبراهيم يكتب: هل يسقط أردوغان؟

1٬061

 

فجأة يظهر بن علي يلدريم، رئيس وزراء أردوغان سابقاً، ومرشحه في انتخابات استانبول الملغاة، ومرشحة في الانتخابات المعادة، في هكاري ليعلن منها باللغة الكردية أنه يحب الأكراد. ويتذكر أن له ماض كردي، يستجدي به أصوات ناخبين أكراد.

يقلد بن علي رئيسه، يسير على خطاه، خاصة في مسائل الانتخابات والتحشيد لها. يزور المدن المعنية بالانتخابات، ويمارس الدهاء المغلف بالطيبة.

قبل ذلك فجأة، يسمح اردوغان لمحامي قائد حزب العمال الكردستاني “عبد الله اوجلان” المعتقل في جزيرة ايمرالي التركية بزيارته، وبنقل رسالة مهمة تتعلق بالمضربين عن الطعام، والمطالبين بفك عزلته، وتتعلق بالوضع في شمال وشرق سوريا وبضرورة أن يتم البحث عن الحلول والابتعاد عن الصراعات. وفجأة يسمح لشقيق القائد بزيارته.

يعرف أردوغان الأثر العميق لأوجلان في تحديد اتجاه الصوت الكردي داخل تركيا وخارجها.

رسالتان يستجدي بهما أردوغان الحصول على الأصوات الكردية الحساسة في انتخابات استانبول المصيرية. انتخابات سيقرر فيها الناخبون من يحكم استانبول. المدينة التي انطلق فيها اردوغان نحو السلطة، والبوابة التي يمكن أن تشهد سقوطه إذا فازت المعارضة. انتخابات ستحدد مسار أردوغان السياسي، ومستقبل حزبه حزب العدالة والتنمية، وطريق نظام حكمه الفردي، الذي رتبه منذ وصوله إلى السلطة.

قصقص أصابع الجيش التركي وألغى سيطرته في السياسة، رتب الاقتصاد التركي بالطريقة التي تديم سلطته، وأوصل رجالاته إلى منافذه الرئيسية قبل أن يوصل أفراد عائلته. أردوغان الذي خسر استانبول في الانتخابات الأخيرة، ألغى النتيجة، ودعا إلى انتخابات جديدة. لأنه يعرف قيمة استانبول وأثرها في كشف فساد سلطته، وفساد حاشيته، وفساد حكمه.

بن علي يلدريم مرشح أردوغان لبلدية استانبول جندي متقدم في خدمة نظامه السلطوي. لكنه جندي سيدفع ثمن خسارته إذا خسر. السلطان أردوغان يعطي فرص لشخصيات نظامه، لكنهم إذا أخفقوا يبدلهم. بدّل رئيس حزبه، ورئيس دولته عبد الله غول. وبدّل وزير خارجيته ورئيس وزرائه ومنظّر حزبه أحمد داوود أوغلو، وبدّل حليفه التاريخي الداعية الإسلامي غولن، قبل أن ينقلب عليه الأخير.

تعيش تركيا اليوم صراعاً داخلياً، يظهر في فرض أجهزة الأمن الأردوغانية قبضتها. يظهر في حملات الاعتقال الكثيفة، والتي طالت المعارضين السياسيين والاقتصاديين والأكاديميين والإعلاميين، وتظهر في محاولات اردوغان الدائمة في كف يد المعترضين ومحاسبتهم، وتظهر في تقزيم المنافسين له داخل صفوف حزب العدالة والتنمية ذاته، معلناً حكم الفرد الواحد.

خلال الأزمة السورية، حدد أردوغان مسارات متناقضة. قبل الحرب السورية، كانت تجمعه بالنظام السوري علاقات اقتصادية وسياسية متينة، قبل أن يفاوضه من أجل تلقيح الحكومة السورية بتنظيم الاخوان المسلمين السوري.

رفض النظام العرض التركي، هو يلقّح حكوماته المتعاقبة بنفس إسلامي متخلف ورجعي شبيه بنفس الإخوان، لكن أن تأتي خطوة تطعيم الحكومة عبر أردوغان وبمن! بالعدو الطائفي والسياسي للنظام، هذا ما لم يقبله النظام.

غاب عن الطرفين وجود إسلاميين آخرين ممن يرضى عنهم أردوغان والنظام معاً، خارج دائرة الأخوان، وخارج دائرة الانصياع للرغبة الأردوغانية بتنصيب الأخوان.

انتقل أردوغان إلى الخطة ب. خطة استعمال الاخوان وملحقاتهم في الحرب لتمكينهم من تسلم الحكم في دمشق، عملية تشبه وتنافس إلى حد كبير تسلم أحزاب إسلامية تدين بالولاء لإيران الحكم في بغداد.

أحزاب إسلامية شيعية تدين بالولاء لإيران تسلمت الحكم في بغداد، فلماذا إذن لا يتم تسليم تنظيم الأخوان المسلمين الذي يدين بالولاء لاردوغان الحكم في دمشق، شبيه بتسلم أخوان مصر واخوان ليبيا!

دخل أردوغان الحرب السورية متسلحاً بالموقفين الأمريكي والاسرائيلي، وفتح حدوده لعبور الجهاديين والسلاح والمال، قبل استدارته المفاجئة نحو الروس.

استدارة أردوغان نحو روسيا، أدت إلى هزيمة مأجوريه المسلحين. بدأت في حلب، ولم تقف حتى الآن. استدارته فتحت مسارين آخرين غير جنيف، هما مسارا الاستانة وسوتشي.

استفاد أردوغان باستدارته الروسية، احتل جرابلس واعزاز ثم احتل عفرين. وأعلن أن نشوء دولة كردية في سوريا يمثل الخطر الأكبر لتركيا والمنطقة.

اتفاق أردوغان مع الروس حقق له مكاسب سياسية وعسكرية، ساعدته في حربه الباردة مع الأمريكان، وفي احتلال أراض سورية، لكن هذا الاتفاق هش ومؤقت. سرعان ما ظهرت خلافات كبيرة بين الطرفين. تجسدت في حرب إدلب. التي تهدف إلى الضغط على أردوغان لتنفيذ استحقاقات الاستانة وسوتشي، ومنها تصفية جبهة النصرة، وفتح الطرق الدولية.

أردوغان يصارع الروس خفية، عبر علاقاته مع أمريكا باعتباره عضو في الناتو. ويبتز الأمريكان عبر تحالفه المؤقت مع الروس. يصارع النظام عبر جهادييه ومن طوّعه من المعارضين السوريين، ويتناغم معه عبر تحالفه مع الروس والإيرانيين. يتصارع مع الإسرائيليين في الإعلام، ويتحالف معهم سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً. أردوغان يتحدث عن المبادئ دائماً في خطاباته، لكنه أبعد ما يكون عنها في مباحثاته، وفي اغتنام الفرص.

أردوغان في انتخابات استانبول أمام امتحان خطير. هل تكون بداية انهيار نظامه، أم أنها ورقة يستطيع اسثمارها كما يستثمر في الأوراق المتناقضة التي يمسك في تفاصيلها؟

#حزب_سوريا_المستقبل

طالب إبراهيم

عضو منظمة أوروبا لحزب سوريا المستقبل

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كُتَّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.