ذات صلة

جهاد كورو يكتب: هفرين خلف.. رمز الأمل الذي لم ينطفئ

ما إن هدأت أصوات المدافع في الرقة، حتى ظهرت معالم الدمار بوضوح. المدينة، التي كانت يوماً مركزاً نابضاً بالحياة، أصبحت ركاماً وغباراً، ومعالمها طُمست تحت وطأة الحرب. مع سقوط آخر علم أسود وارتفاع الأصفر، بدأ فصل جديد، فصل من الأمل والبحث عن حياة جديدة.

بدأ بعض سكان الرقة بالعودة إلى ديارهم التي لم تعد كما كانت. وجوههم مرهقة وحائرة، وقلوبهم تملؤها الشكوك والخوف مما يحمله المستقبل. فقدوا كل شيء تقريباً: منازلهم، أحلامهم، وأحباءهم. كانوا بحاجة ماسة إلى كل شيء: خبز يسد رمقهم، دواء يشفي جروحهم، ومدارس تعيد أطفالهم إلى مقاعد الدراسة. كانوا بحاجة إلى خدمات أساسية، من إزالة الألغام إلى شبكة إنترنت تربطهم بالعالم الخارجي. ولكن قبل كل ذلك، كانوا بحاجة إلى شيء أكثر جوهرية: الأمل

كان الأمل هو العنصر الغائب في حياتهم، الأمل الذي يبعث الطمأنينة في النفوس ويخبرهم أن الأيام السوداء قد ولَّت دون رجعة. الأمل في أن يتمكنوا من تجاوز ذكريات تنظيم داعش بكل ما حملته من آلام ومآسٍ. 

وكما في الأساطير القديمة، ظهر الأمل مجدداً في هيئة سيدة شابة، أنيقة جميلة وقوية وكأنها عشتار تخرج من الفرات لتعيد الحياة إلى الأرض الجرداء ولتجسد إرادة الحياة والتجديد.

هفرين خلف كانت ذلك الأمل، بأناقتها وحضورها القوي، وقفت أمام العائدين إلى الرقة، تحدثهم بصوت هادئ يحمل بين كلماته سلاماً عميقاً وحزماً لا يتزعزع. كلماتها، التي صيغت بعناية، كانت أشبه بنسيم ناعم يزيل غبار الحرب عن قلوبهم ويمنحهم ثقة بقدرتهم على النهوض من جديد

هفرين خلف: رمز يتجاوز الحدود

لم تكن هفرين مجرد سياسية، بل أصبحت رمزاً للمرأة القوية التي تتحدى الظلام وتبني مستقبلًا مختلفاً. اسمها ونجمها برزا ليس فقط في الرقة بل بين مختلف فئات الشعب السوري. كانت قيادتها لحزب سوريا المستقبل تجسيداً لسياسة جديدة، بعيدة عن حروب الرجال العبثية، وعن الصراعات الطائفية والعرقية التي دمرت البلاد.

لكن قصة هفرين انتهت بطريقة مأساوية عندما اغتيلت بوحشية عام 2019 على يد فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا خلال الهجوم على سري كانييه/رأس العين وتل أبيض/گري سپي. لم يكن اغتيالها مجرد جريمة عابرة، بل كان محاولة لقتل الأمل الذي جسدته. قتلوا هفرين وهم يعلمون تماماً من هي، وما تمثله. ولكن ما لم يدركوه هو أن الأمل الذي زرعته لم يمت، بل ازداد قوة و انتشاراً.

الأمل الذي لم ينطفئ بعد استشهاد هفرين، أصبحت رمزًا لكل من يناضل من أجل السلام والمستقبل في سوريا. رفاقها ومناصروها ازدادوا عدداً و وإيماناً منتشرين في كل بقاع سوريا، حاملين راية الأمل الذي أرادت هفرين أن تبقيها حياً، واليوم بينما تستمر الرقة في مسيرتها الشاقة نحو التعافي، يبقى الأمل هو العامل الأساسي في هذه الرحلة. الأمل الذي جسدته شخصيات مثل هفرين خلف ليس مجرد شعور عابر، بل قوة دافعة تُمكّن الناس من تجاوز أعتى المحن. 

لماذا اخترت حزب سوريا المستقبل؟

لأجل كل ذلك، أدركت أن مكاني الطبيعي هو مع رفاق هفرين. انضمامي إلى حزب سوريا المستقبل لم يكن قراراً عابراً ، بل خياراً يعكس إيماني بسوريا التي تحترم حقوق المرأة، وتبني نظاماً علمانياً وبرلمانياً لامركزياً يحفظ للجميع حقوقهم.

كان هذا الحزب بقيادة سيدة، بعيدة عن الحروب العبثية التي قادها الرجال. إنه حزب يدرك أن السياسية هي فن بناء المستقبل، وليس استعادة الماضي أو التورط في دوامة سفك الدماء.

سوريا المستقبل: حلم يتحقق

انضمامي إلى حزب سوريا المستقبل هو جزء من إيماني بأن التغيير ممكن، وأن سوريا يمكن أن تكون دولة ديمقراطية لجميع شعوبها. المرأة وقضاياها مركزية في هذا المشروع، وسوريا التي نحلم بها هي سوريا تتجه نحو المستقبل، لتكون وطناً للجميع، خالياً من الدكتاتورية والتعصب.

هفرين خلف قد تكون رحلت بجسدها، لكنها تركت إرثاً من الأمل والرؤية التي ستظل تلهمنا لنعمل معاً من أجل بناء سوريا جديدة، نستحقها و تستحقها الأجيال القادمة.

جهاد كورو: ممثل حزب سوريا المستقبل في أوروبا