طالب إبراهيم يكتب: اردوغان في حرب اللاجئين!

1٬423

فتح الرئيس التركي اردوغان حدود تركيا البرية والبحرية أمام اللاجئين للهجوم على اليونان. نقلت باصاته “البيضاء” الآلاف منهم  مجاناً، وعبر الآخرون، حتى وصل العدد قرابة 130 ألفاً، ساروا في خطوط متوازية، وأمام البوليس وحرس الحدود والمخبرين الأتراك، معلنين الانتصار على حالات القرف والضغط والاستعمال التركي.

فروا من سياط الجحيم التركي، متوجهين إلى الفردوس اليوناني. في حادثة تكشف زيف الحنان التركي، وزيف خطابات اردوغان وحاشيته وحزبه عن قلب تركيا الكبير، وضيق صدر اوروبا والعالم.

هناك تسعيرة واضحة لكل لاجئ سوري أو غير سوري في تركيا، تسعيرة يعلنها اردوغان في كل بازار سياسي أو مالي، تحت عنوان إنساني عريض : “لدي لاجئون”. وفي مساومة وضيعة “خذوهم أو ادفعوا ثمن حبسهم”.

تدفع اوروبا المليارات، لقاء قفل الحدود التركية في وجههم. وتقدم ما طاب لاردوغان في البازار السياسي.

في بازار إدلب تعود من جديد، مسألة بناء منطقة أمنية في الشمال السوري، برعاية وتوجيه وتحديد تركي، بحجة تركية ممجوجة، هي غرس اللاجئين السوريين الفارين من جحيم المعارك.

المعارك هي ذاتها التي يصنعها اردوغان ومرتزقته، تكراراً لنتيجة واحدة، هي “لاجئون ومنطقة آمنة”.

معارك قاسية وصعبة، تترنح سوريا تحت جبروتها، وربما تشهد ترنح الساحة التركية العسكرية والسياسية أيضاً في القريب العاجل، على الأقل هذا ما تحدثت عنه المعارضة التركية والبرلمان التركي والشارع.

 يريد اردوغان قبل ترنح تركيا، إنشاء مناطقه الآمنة، بموافقة روسية تارة، أو أمريكية تارة أخرى، ولكن حتماً بأموال أوروبية.

سترضح اوروبا الضعيفة والمنقسمة والانتهازية، أمام ضغط اردوغان، وستقدم المال والمواقف السياسية.  وكان ترنح ميركل رئيسة وزراء ألمانيا قبل الجميع، تحدثت قبل وصول آلاف اللاجئين إلى عتبات ألمانيا، عن ضرورة بناء منطقة آمنة في الشمال السوري، في سياق الكم الهائل من كلمات التزلف والحنان والشعور بالمسؤولية في خطابها ذاته، تجاه ما يعانيه سوريو الحرب في إدلب وفي سوريا عموماً.

وسارعت أمريكا على لسان منسق الملف السوري جيمس جيفري، بالحديث عن دعم تركيا بالذخيرة والسلاح في حربها ضد النظام في إدلب، ولسان حاله يقول دعم تركيا في مواجهة روسيا في الإقليم، والضغط على أوروبا في استجرار تنازلات سياسية ومالية، أو في تصريح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام: “نقدر بشدة ما تفعله تركيا للوقوف بجانب المواطنين السوريين في إدلب”. 

أما روسيا المستهدفة، فقال أحد مسؤوليها إن الأرقام التي يقدمها اردوغان بالعام غير صحيحة، فعدد سكان إدلب أقل من 2 مليون، ومن نزح أقل من مئة ألف، ولم يصل أحداً من هؤلاء إلى الحدود التركية اليونانية لأنهم محبوسين في الحدود السورية التركية. وأرقام اللاجئين التي يقدمها للإعلام غير صحيحة، وهو يريد إرسال 130 ألفاً من اللاجئين إلى اوروبا.

لم ينس المسؤول الروسي التذكير بالمعلومات الموثقة والمعروفة، عن عمليات التطهير العرقي والتهجير القسري التي قام بها اردوغان في حروبه الثلاثة في سوريا، والتي أدت إلى تهجير مئات ألاف الأكراد من ديارهم وزرع التركمان بديلاً عنهم.

حديث المسؤول الروسي يأتي قبل لقاء اردوغان ببوتين، في تذكير واضح منه، أن لدى الروس الكثير من أوراق القوة التي يستطيعون استعمالها في مواجهة اردوغان إذا اختل ميزانه.

 كان ذلك بعد أن صرخ أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية، حين قال إن الحرب التركية الروسية ال 16 قادمة لا محالة.

اردوغان يفتح ملف اللاجئين القديم الحديث، للضغط في اتجاه بناء منطقة آمنة، ويرسل عينة منهم عبر الحدود، ليعرف الأوروبيون ماذا يعني تحديداً.

اوروبا تغلي، لكنها تبحث عن ثمن جديد، لصفقة ناجحة مع اردوغان، قد يكون الثمن على حساب الجغرافية والسوريين.

أمريكا تنتعش وتراقب، لأن الضغط على اوروبا مكسب لها، رغم ما تخطه الأدبيات القديمة عن عمق التحالف الغربي.

روسيا تملك الساحة السورية، على الأقل في اتفاقيات سوتشي والأستانة، وتملك قوة المناورة في تذليل المطالب التركية، ومطامع اردوغان، لكنها في حدود الوطن السوري، وبازار العلاقات الجيوسياسية، وضرورة الحفاظ على تركيا في مربع توازناتها الإقليمية، قد تقدم جزرة المنطقة الآمنة، في حدود ما، حدود قد تفتحها اتفاقيات روسية امريكية تركية قادمة.