طالب ابراهيم يكتب: كيف يدير بوتين الأزمة السورية؟

1٬164

تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف  في منتدى باريس للسلام، عن منع الولايات المتحدة دول الخليج العربي من المساهمة في إعادة الإعمار في سوريا. لكن الوزير الروسي قال مستنكراً إن أمريكا تسمح للخليجيين باستثمارات كبيرة في شرق الفرات، المنطقة التي تسيطر عليها “الوحدات الكردية” كما ذكر، وهذه الاستثمارات تساهم في تقسيم البلاد.

وشدد على أن إعادة الإعمار تساهم في عودة اللاجئين، الذين يشكلون أزمة لدى الحكومات الأوروبية.

الملفت في حديث الوزير الروسي غير تفاصيله، هو توقيته، قبل رحلة السلطان التركي اردوغان إلى واشنطن لمقابلة شريكه “التجاري” الرئيس الأمريكي ترامب.

يقول الوزير االروسي لأردوغان، هناك نية أمريكية في تقسيم سوريا وإنشاء دولة “كردية”، ويجب عليك ألا تنزاح كثيراً إلى معسكر ترامب لأنه يتآمر عليك. أما روسيا فهي تؤمن بسوريا موحدة، وبسلطة واحدة هي سلطة النظام السوري على الحدود وعلى الجغرافية وعلى النفط.

ردّ اردوغان من البيت الأبيض في مؤتمره الصحفي مع ترامب،  فقال، يجب “تحرير” الرقة ودير الزور وكل المناطق شمال سوريا من الإرهابيين ومن تنظيم داعش “فصل بينهما”، وعلى امتداد 400 كلم وعمق 32 كلم، لتوطين اللاجئين السوريين. وصمت ترامب.

في مؤتمرهما الصحفي، تحدث ترامب عن صفقة تجارية ضخمة مع شريكه “الشخصي” اردوغان، ومع الدولة التركية التي تربطه معها علاقات قوية.

لا تخشى روسيا كثيراً من غدر أردوغان، لأنه مربوط بعلاقات اقتصادية ضخمة معها، أقلها خط الغاز الروسي، ومربوط بصفقات عسكرية، أكثرها ال S400. وبين هذا وذاك، يوجد قوة عسكرية روسية لا يمكن تجاهلها، تفعل ما يجب أن تفعله إن شذَ اردوغان عن الطاعة.

لا تخشى غدره، لكنها لا تثق به، ويشير إلى انعدام الثقة تهديدات لافروف المتكررة، بالقضية الكردية، والدولة الكردية، وخيانات أمريكا لحلفائها.

أمريكا أنجزت مهمتها في سوريا، وقرار انسحابها يبدو واضحاً، لكنه خاضع لمداورات سياسية مؤقتة، تتعلق بالانتخابات الأمريكية، وبمصالح إقليمية، لكنه لا يرتبط حتماً بشرائع أخلاقية، أوقضايا مبدئية.

تجري العملية التركية في الشمال السوري بتنسيق أمريكي أكيد، ولكن أيضاً بالتفاهم مع روسيا. وفي لحظة الحشر تمارس روسيا على تركيا ضغوطها، ليس فقط في إدلب ولكن أيضاً في الشمال السوري.

التفاهم التركي الروسي الأخير لوقف العمليات العسكرية مع قسد في الشمال، يخدم الروس في اتجاهين. أولاً في ممارسة الضغط على تركيا لتحديد مساحات صراع ونفوذ محددة لها، وثانياً في ممارس الضغط على قوات سوريا الديمقراطية “قسد” للاستجابة للمطالب الروسية، أو التعرض لنيران التصفية التركية، كما قال بوتين تماماً.

رفض قسد للمطالب الروسية، يعني تكثيف العمليات العسكرية التركية، وتركيا راغبة في ذلك، فهي لديها أجندة خاصة، لا تنكرها روسيا.

لا يخشى النظام السوري من وجود قوات أجنبية على أراضيه، بقدر خشيته من وجود قوى محلية قوية تنافسه تماماً كقوة “قسد”، يعترض على الوجود التركي في الإعلام،  لكنه يثق بالروسي، ويسلمه “مرغماً” مفاتيح سوريا السياسية والعسكرية والأمنية.

تمسك روسيا مفاتيح اللعبة العسكرية والسياسية في سوريا، وتمسك قرار اللجنة الدستورية ونتائجها.

تضغط على تركيا في إدلب وفي الشمال االسوري، وهي تتغزل بنمو العلاقات بينهما. لكنها تمارس الضغط على قسد في الشمال السوري عبر تركيا، وهي تقدم سلسلة شروط سياسية وعسكرية، وصفها القائد العام لقسد بغير الواقعية، وقال إن لروسيا نوايا سيئة. وتتفنن في ممارسة الضغط على ايران “المأزومة”، عبر المجال الجوي السوري، المغلق بإرادتها، لكنه مفتوح أمام الطائرات الإسرائيلية ليتم استهداف المواقع العسكرية الإيرانية وحلفائها.

تصمت إيران، وتراقب. تعجز عن القيام بدور واضح في سوريا بعد سلسلة الأزمات التي تواجهها في لبنان والعراق، ولكنها تتابع أوراقها الإقليمية بهدوء وهي تعطي شارة البدء بانفراج “ما” في اليمن.

يظهر الرئيس السوري بشار الأسد، في الجهة المقابلة من ضفة الفرات، كناشط إعلامي، وهو يشتم أردوغان، ويهدد بالمقاومة الشعبية، وينتظر المساعدات الصينية  ولروسية والإيرانية لإعادة الإعمار، العملية الصعبة والمهمة والتدريجية وربما المستحيلة.

#حزب_سوريا_المستقبل
#مقالات
مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كُتَّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.