التقرير السياسي لشهر آب الصادر عن مجلس حزب سوريا المستقبل

1٬380

 

شهد شهر آب أحداثاً سياسية، وانعطافات في مسار الأحداث في سوريا، استهلت بانعقاد جولة جديدة من مفاوضات استانة 13 بحضور “ولأول مرة” دول الجوار العراق ولبنان والاردن كمراقبين. واختتم بمقررات أثارت ارتياح مندوب النظام السوري بشار الجعفري، فتعاطى معها بإيجابية على غير العادة.
قبل النظام بهدنة لوقف الأعمال القتالية من طرف واحد، لكن الهدنة لم يصمد سوى أيام قليلة، عاود بعدها جيش النظام عملياته العسكرية بزخم عسكري كبير وعنيف، وبدعم روسي صريح عبر عنه الرئيس بوتين أمام ماكرون بأنه يدعم الحكومة السورية بعملياتها لدحر الإرهاب.
ثم جاءت عمليات استرجاع بلدة خان شيخون الاستراتيجية، وريف حماة الشمالي كاملاً وبتوجيه روسي مباشر، كون الجانب التركي لم يلتزم بتعهداته الموضّح عنها في مؤتمر سوتشي والذي تعهد فيه الرئيس التركي أردوغان للرئيس الروسي، بعدة نقاط، كان من أهمها العمل من أجل القضاء على هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” وخلق مناخ لتطبيق ما عرف بالمنطقة العازلة المنزوعة السلاح في ادلب، مع اتخاذ التدابير لفتح الطريق الدولي الواصل بين حلب دمشق وحلب اللاذقية.
أزعجت المماطلة التركية في تطبيق بنود الاتفاق، الجانب الروسي. وكان واضحاً تخلي تركيا عن دعم المجموعات المسلحة التابعة لها بشكل متعمد، مما نتج عنه اجتياح كامل لريف حماة الشمالي، وصولاً للأتوستراد الدولي تحت أعين نقاط المراقبة التركية.
شكّل هجوم الجيش السوري النظامي موجات نزوح لأهالي المدن والقرى والبلدات في ريف حماة الشمالي وريف جنوب إدلب. وتسبب في مقتل الكثير من المقاتلين والمدنيين على حد سواء.
كانت نتائج جولات أستانة بادية بوضوح في مقايضات تسليم المناطق في حماة وإدلب تباعاً لصالح النظام السوري، حيث بدأت عمليات القضم المتتالي للأراضي والقرى، بمقابل إمكانية حصول الجانب التركي على تصريحات روسية تتعلق بمناطق شمال وشرق سوريا، تمحورت حول اعتبار مشروع شرق الفرات بأنه مشروع انفصالي، ترافق بعدم الاعتراف بالإدارة الذاتية وتصفير منجزاتها الإجتماعية والديمقراطية.
ضمن هذه الخارطة المعقدة من المساومات والتهديدات والإحتلال، تساهم المؤتمرات الدولية وعلى وجه الخصوص مؤتمرات سوتشي والأستانة، بالتصعيد لا بوقف التصعيد، وبانتشار الحرب لا بوقفها، ويبتعد مشروع الحل، أمام الأجندات المرتبطة بمصالح معينة للدول المنخرطة في الحرب السورية.
كان الدور الأمريكي واضحاً تجاه ما يحصل من أحداث في شمال غرب سوريا، حيث تعمل أمريكا على تحديد مناطق قوات النظام السوري، ضمن أهداف عبر عنها ممثل الإدارة الأمريكية السفير جيمس جيفري، وتمركزت حول استهداف القوات الإيرانية ومليشياتها في سوريا أولاً، ومنع تمدد قوات النظام السوري ثانياً، وتهيئة المناخ الملائم للحل السياسي وفق القرار الأممي 2254الصادر من مجلس الأمن ثالثاً.
تعتبر أمريكا دولة فاعلة ومؤثرة، ولها مصالح ومخططات خاصة بها، ولا تقبل أن يكون لإيران تأثير على ملامح سوريا المستقبل. وصراعهما الجديد في الساحة السورية هو خير برهان على ذلك. إن التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية يفرض عقوبات اقتصادية على سوريا من أجل التأثير على الأطراف المتصارعة لكتابة دستور جديد والاستعجال في المفاوضات بناء على الخطوات السابقة.
تتدخل العديد من القوى الدولية والإقليمية في الأزمة السورية، لرسم ملامح سوريا المستقبلية وفق مصالحهم. وبتضارب هذه المصالح تستمر الأزمة فاتحة أمامها المزيد من الحروب المتنقلة، والمؤقتة ضمن جدول زمني غير محدود.
وانطلاقاً من الموقع الجيوستراتيجي المهم لسوريا في الإقليم والعالم، فإن أي تغيير في مسار الأزمة السورية يؤدي إلى تغييرات في الإقليم، وأي تطور يؤدي إلى تطوير في الإقليم، إلى ذلك نستطيع الاستنتاج أن لسوريا دور مركزي في مستقبل الإقليم، إذا تمكنت قواها الذاتية من رسم معالم مشروعها المستقبلي المبني على نظام ديمقراطي تعددي لامركزي، ضمن أفق التعايش السلمي لشعوبها وشعوب المنطقة.
إن التهديدات التركية المستمرة، والموقف الروسي السلبي، وتشنج النظام السوري، وتخاذل المجتمع الدولي، يؤكد أن حل الأزمة السورية ما زال بعيداً، وأن مشاريع المعارك الصغيرة والكبيرة قائمة. واستمرار تركيا باحتلال جرابلس والباب وإدلب وعفرين، يعيق أي مشروع لحل الأزمة السورية. فلا سلام في ظل انتهاك سيادة الوطن، وتهديد امنه ووحدته. ولا حل للأزمة وسط كل مظاهر الإحتلال والتدخل المباشر لخلق تغييرات ديمغرافية وجغرافية في سوريا الموحدة.
ومن جهة أخرى طغت أخبار المفاوضات حول المنطقة الأمنة بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا، وبوجود الوسيط الأمريكي على مجمل الأخبار السياسية في الفترة الماضية لما تحمله من نتائج قد تؤثر في مستقبل المنطقة ومستقبل العلاقات السورية الأمريكية والتركية.
عقدت عدة جولات تفاوضية، شارك فيها مبعوث الرئيس الأمريكي السفير جيمس جيفري مع وفد عسكري من البنتاغون، نتج عنها تفاهمات، كان أبرزها بناء مركز عمليات مشترك بهدف إدارة المنطقة الآمنة، وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية إلى مسافة محددة مع أسلحتها الثقيلة، لتنوب قوات عسكرية محلية مكانها، مع ضمان استمرار المؤسسات المدنية والمحلية والسياسية بعملها في المنطقة دون عائق.
تعاطت قوات سوريا الديمقراطية بإيجابية مع هذه التفاهمات، كونها لا تؤثر بشكل سلبي على الرؤيا العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية والرؤيا السياسية لمجلس سوريا الديمقراطية، وتشكل ضمان لاستمرار حالة الاستقرار والأمن في المنطقة، وتفتح طريق حقيقي نحو الخطوة التالية في استمرار البناء والنهضة من جديد، والتفرغ للقضاء على تنظيم داعش وخلاياه النائمة، التي قامت بسلسلة من عمليات التفجير والقتل، مستفيدة من الجو السياسي والعسكري الذي شكلته تهديدات تركيا من جهة، وتهديدات النظام السوري وروسيا لمناطق الإدارة الذاتية من جهة اخرى.
نعتبر في حزب سوريا المستقبل، أن وجود منطقة آمنة وفق المعايير التي تقدمها قوات سوريا الديمقراطية، تحقق ضماناً لاستقرار شمال وشرق سوريا، وتفتح طريقاً عمليّاً نحو الخطوة التالية في تطبيق برنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والذي يتوافق مع برامج الإدارة الذاتية، من حيث بناء الحجر والبشر. ويساهم في القضاء على تنظيم داعش الذي عادت خلاياه النائمة للعمل من جديد. مستغلة الأجواء السياسية والأمنية الطارئة.
نحن حزب سوريا المستقبل نرى أن عودة تنظيم داعش للعمل في مناطق الإدارة الذاتية سببه الأساسي هو تغافل المجتمع الدولي لخطر هذا التنظيم، واستغلال خلاياه النائمة لتضارب مصالح القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف السوري فعادت للعمل ضمن استراتيجية جديدة، الأمر الذي يساهم جدّيّاً في العمل على ضرورة إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة عناصره وقياداته.
ونؤكد أن تطبيق القرار الأممي 2254 وتهيئة المناخ الملائم للحل السياسي، عبر التواصل مع كل قوى المجتمع السوري الديمقراطية والوطنية والفاعلة مفتاح حقيقي لانطلاق عجلة الحل.

مجلس حزب سوريا المستقبل
30 آب 2019