طالب إبراهيم يكتب: استراتيجية أمريكا في الشمال السوري!

1٬129

تبني أمريكا اليوم استراتيجية ارتجالية في الشمال السوري، تعتمد على حماية النفط والغاز، حتى لا يصل إليهما تنظيم داعش، أو النظام السوري أو روسيا.

تركزت الاستراتيجية الأمريكية في فترة سابقة على ثلاث خطط، الأولى هزيمة تنظيم داعش جغرافياً وأيديولوجياً، والثانية مواجهة إيران، والثالثة دعم قوات سوريا الديمقراطية، وتحقيق الأمن في شمال وشرق سوريا.

وقال وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيليرسون، إن الإدارة الأمريكية لن تسحب قواتها من سوريا، وتكرر تجربة العراق، قبل أن تستقر الأوضاع الأمنية والسياسية تماماً.

لكن أمريكا سحبت قسماً كبيراً من قواتها من سوريا، وعلى أبواب سحب البقية منها، قبل أن يستقر الوضع الأمني والسياسي، وقبل هزيمة تنظيم داعش ايديولوجياً، وأغفلت مواجهة إيران في سوريا، واتبعت تجربتها في العراق تماماً على عكس ما رغب تيليرسون.

سلمت إدارة ترامب مفاتيح الشمال السوري للرئيس التركي أردوغان، الذي اجتاح سوريا مستأجراً جيش من الميليشيات السورية، التي نقلت بنادقها من كتف داعش والنصرة، ليستقر اليوم في كتف أردوغان.

وسلمت قوات سوريا الديمقراطية لخيار التواصل مع النظام السوري، وحليفته روسيا، وأعلنت في الإعلام الأمريكي الحر، عن ولادة شبح جديد، شبيه القاعدة وتفريخاتها، وقد يكون أخطر من داعش.

لن تحمي أمريكا النفط السوري، وستنسحب من المنطقة، ونشرها في الإعلام فوضى حمايتها للنفط السوري، يتوافق مع فوضى توزيعها الشكر على الجميع حين قتلت البغدادي زعيم تنظيم داعش. بتوزيع بطاقات الشكر تلك، كانت تقول إن الجميع مسؤولون عن مقتله، ويجب أن تتوجه عمليات الانتقام الجهادية ضد الجميع.

اليوم بادعائها حماية النفط، والفوز بحصة، وتأمين الباقي لتمويل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، تقول لدول ولجماعات كثيرة، وجهوا عمليات الانتقام لقسد.

لا تحتاج هذه الجماعات إلى مبررات إضافية لمهاجمة قسد، فلديها مبرراتها العامة، فقسد إدارة كردية، وانفصالية وتنفذ أجندة خارجية.. ولهذه الجماعات مبرراتها الخاصة، المتعلقة بأجندة مصادر تمويلها. المصادر التي تفرض عليها، تنفيذ معاداة قسد، ومحاباة داعش والنصرة والرضوخ لتركيا ولإمارة الموز الخليجية قطر.

لا تفكر أمريكا في الدفاع عن الشمال السوري، سيما أن العدو هو تركيا شريكتها في حلف الأطلسي “الناتو”، ولا تفكر في صراع مفتوح مع الروس، ولا أعتقد أنها تريد لجم إيران في سوريا أو في المنطقة.

إيران “الشيعية” مهمة جداً، وتضاهي في أهميتها، ميزانية كل منابع النفط والغاز في الإقليم، فوجودها “الشيعي” في هذا المحيط “السّنّيّ”، هو بمثابة وصفة هائلة لصراع دائم، يستنفذ الجميع.

لدى قسد اليوم أكثر من 60 ألف مقاتل، وإمكانات عسكرية كبيرة، وحاضنة اجتماعية تجمع شعوب شمال وشرق سوريا، ونواة هذه الحاضنة هو الشعب الكردي، شعب عظيم، يتفرد بأنه أكبر قومية موجودة، وليس لديها دولة.

شعب مظلوم ومضطهد منذ آلاف السنين، وعلى الرغم من وجود تنظيمات سياسية متباينة ومتناقضة، تتبوأ مناصب الساحة الكردية السياسية، إلا أن الحاضنة الاجتماعية الكردية، تعبر عن وحدتها دائما في الأزمات الكبيرة.

قسد ليست بندقية فحسب، وإنما منظومة كاملة، تحارب ثاني قوة في حلف الأطلسي، تتواصل مع الأمريكان، ومع الروس ومع النظام، ولا شيء يمنع من التواصل مع إيران.

وتستعد أمريكا لاستقبال قائدها مظلوم عبدي، في فترة قادمة، في مشهد يذكر باستقبال الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، بعد سنوات طويلة من وصفه بالإرهابي.

تحاول روسيا إضعاف تركيا ميدانياً، يظهر ذلك في إدلب، وأيضاً في الشمال، فيتقدم النظام هناك، ليظهر أن “مشروع” المنطقة الآمنة مؤقت، فيهدد أردوغان بأنه لن ينسحب من الأراضي التي احتلها، وهو يسلم روسيا 18 جندي سوري كانوا قد أسروا، بعد نشر الجيش السوري لوحداته إثر اتفاق سوتشي لوقف العمليات العسكرية. تسليم الأسرى السوريين، وخلال فترة زمنية قياسية، يشير إلى حجم الضغط الروسي على تركيا، قبل أن يشير إلى حجم التنسيق.

ضغط روسي على تركيا في إدلب وفي الشمال السوري، وضغط قادم على النظام للتطبيع مع قسد. وفي ذات السياق يظهر إعادة التواصل الأمريكي مع قسد، بعد سحب القوات الأمريكية، وبعد ركام كبير من تغريدات الرئيس الأمريكي ترامب وخطاباته البائسة، وسلوك جماعته المقربة من نائبه ووزير الخارجية إلى رئيس الأركان وصولاً إلى وزير الدفاع، يفتح نافذة جديدة وواسعة لإعادة رسم السياسات في الشمال السوري.

#حزب_سوريا_المستقبل
#مقالات

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كُتَّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.