شورش درويش: ورشة بوخوم.. سورية المعنى والمبنى!

1٬982

 

شورش درويش، كاتب صحفي ومحامٍ سوري، يكتب في الصحافة العربية والكردية، ومقيم في ألمانيا.
شارك شورش درويش في ورشة بوخوم “Bochum” التي دعى إليها مجلس سوريا الديمقراطية 21و22 أيلول 2019. وقدم أكثر من مداخلة في الورشة، شرح في هذا الحوار التفاصيل.
-بداية كيف كان الحضور من حيث التنوع والمداخلات والتفاعل؟
شورش: بطبيعة الحال لا يمكن لأي مشروع يطمح لأن يصبح رافعة ديمقراطية، وإن في مناطق محدّدة داخل البلاد، إلا وأن يهتم بمسألة إدارة التنوّع، ويحترم تنوع النسيج الاجتماعي السوري، وخصوصياته الإثنية والجهوية، والتعامل بحساسية عالية مع هواجس المجتمعات المحليّة.
وعليه فإن الورشة راعت هذه المسائل، لجهة تنوّع الحضور، وإن أُخذ على اللقاء/الورشة قلّة المشاركة النسوية.
تفاعل الحضور كان نتيجة طبيعية لرغبة المشاركين في الحديث عن هواجسهم، وقول ما يتوجب أن يقال، بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت منصّة السوريين شبه الوحيدة في الشتات، وبالتالي يمكّن اللقاء الفيزيائي الأشخاص من الحديث بشكل أمثل.
-ذكرت في الورشة أن الجنرال العراقي عبد الكريم قاسم وضع حلّا للقضية الكردية بجملة واحدة تضمنها الدستور العراقي المؤقت في تلك المرحلة.
نصت المادة الثالثة منه أن العرب والأكراد شركاء في الوطن. هل يمكن حل القضية الكردية اليوم في سوريا عبر الدستور؟
شورش: بعيداً عن تقييم التجربة العراقية في نجاحاتها وإخفاقاتها، إلّا أن الشجاعة التي أبدتها الطبقات السياسية على اختلافها في مسار حل القضية الكردية أمر لافت. رغم ما انتاب تلك التجارب من ريبة وحروب إبادة طاولت الكرد، إلّا أن الاستشهاد بتجربة عبد الكريم قاسم في التقارب مع الكرد، وبث روح التشاركية في جسد الدولة العراقية، أمر لافت وتفكير خارج صندوق دولة اللون الواحد.
بساطة المادة الدستورية التي تؤكد على الشراكة الوطنية، مثّلت المقدّمة النظرية الأولى للاعتراف. والاعتراف بالكرد هنا، كان مقدّمة صحيّة لمعالجة المشكلة المزمنة، التي عانى منها العراق.
جدير بالملاحظة، أن في سوريا بقيت سياسة إنكار الوجود، الملمح الأبرز لمنهج الحكومات والأنظمة الحاكمة. بل إن التشويه الذي طاول مطالبات الكرد في المساواة والمواطنة، كانت تجابه بسيول من الاتهامات الباطلة. مثل “إسرائيل ثانية”، و”الرغبة في اقتطاع أجزاء من البلاد”، و”الكرد الانفصاليون”، فضلاً عن التشكيك في وجودهم الفعلي، أو اعتبارهم مجرّد مهاجرين في أحسن الأحوال!
يمكن لأي دستور ديمقراطي مقبل، معالجة القضية الكردية السورية، عبر الاعتراف بالوجود الكردي، وإقرار حقه في التعلّم والتعليم بلغته، وسائر حقوقه الثقافية. فضلاً عن تكريس اللامركزية الديمقراطية، التي قد تجنّب البلاد عسف السلطة المركزية. واستعادة اسم الجمهورية السورية بعد إزالة السمة العرقية/القومية التي ألحقها قوميون باسم الدولة.
-تحدثت في الورشة عن وجوب تحديد “التخوم الكردية” وضرورة إعادة الترسيمات الإدارية، سيما بعد ممارسات النظام السوري، والتي وضعت الأكراد في عزلة. كيف يمكن شرح الفكرة؟
شورش: باعتقادي ثمّة حاجة ماسّة لإيجاد تصوّرات جديدة لحل مسألة الكرد السوريين. مورست بحق الكرد سياسات تمييزية. كما جرت محاولات جدّية لتغيير التركيبة السكانية في مناطقهم المتاخمة للحدود التركية. ولعل مثال “الحزام العربي” هو الأكثر وضوحاً على مدى جدّية الشوفينيين في تغيير التركيبة السكانية في المناطق الكردية السورية، بدل اعتماد التنمية المتوازنة والسياسات الرشيدة. تم التضييق على المواطنين الكرد، وإجبارهم تحت ضغط الأوضاع المعاشية الصعبة على ترك مناطقهم، والنزوح نحو الداخل.
قبل الثورة السورية بأعوام، كان هناك اتجاه حكومي، يرمي إلى استحداث محافظات جديدة، منها محافظة تدمر (البادية) وريف حلب وأخيراً القامشلي.
أما ما قصدته بتحديد المناطق الكردية، فقد كان لأسباب منها، احتواء هذه المناطق عبر احترام خصوصيتها الثقافية واللغوية كجزء متمم لسوريا. وإمكانية إراحة الكرد من المخاوف المتصلة بإمكانية عودة دول القومية الواحدة.
لا يعني تحديد مثل هكذا ترسيم تقسيم سوريا على أساس عرقي، بقدر ما يساهم في ضم المواطنين الكرد في حيّز إداري واحد، بدل تقسيمهم على ثلاث محافظات (الحسكة-الرقة-حلب)، الأمر الذي جعل الكرد يعيشون في عزلتين، الأولى بفعل سياسات التمييز والاضطهاد القومي، والثانية نتيجة جعلهم يعيشون في جُزر متباعدة بدل أن يقيموا في حيّز رفقة عرب وتركمان وآشوريي المناطق المتداخلة إثنياً.
يترافق الترسيم الإداري، مع وجوب إعادة الاعتبار لفكرة الدولة اللامركزية، وعدم تصويرها بأنها مدخل ومقدّمة لتقسيم البلاد، بقدر ما يشكّله من صمغ للنسيج الوطني المتهتك بفعل الدولة التسلطية والمركزية.
-هناك خصوصية لمناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا. خصوصية جغرافية وبشرية وسياسية. لذلك تمنيتَ في الورشة أن تقوم الإدارة الذاتية بمجموعة كبيرة من الأعمال، منها المساهمة بالمصالحة الكردية الكردية والكردية التركية، وتوجيه رسائل للجامعة العربية والأمم المتحدة. لماذا؟
شورش: نعم.. على مجلس سوريا الديمقراطية التوسط بين الأطراف الكردية المتخاصمة، وتجسير الهوّة بين كل الأفرقاء.
هذا أمر صعب، ومحكوم بالأوضاع الإقليمية والكردستانية. لكن يمكن ليد مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) أن تطرق هذا الباب. أما مسألة المصالحة الكردية التركية، فإنني لم أشر إليها بهذا الشكل.
أرى أن مسألة طمأنة تركيا، رغم أن الدولة التركية تتوهم وتوهم الآخرين من خلال زعمها بأن ثمّة خطر كردي جنوب حدودها، وبالتالي يمكن ل”مسد” عبر سلة من السياسات، التي تزيد من حضور “المكونات” القومية والحزبية والاجتماعية في المشهد العام شرق الفرات.
أمّا فيما خصّ توجيه رسائل للجامعة العربية، ومكتب المبعوث الدولي الخاص بالأزمة السورية، وسائر القوى المتدخلة في الأزمة السورية، فقد كان لأجل أمر واحد، وهو أن تضطلع هذه القوى والمنظمات والدول بدورها، في إفساح المجال أمام الإدارة الذاتية والتكوينات السياسية والاجتماعية شرق الفرات، للمشاركة في مسألة صياغة الدستور. هذا عمل دبلوماسي رغم ضيق المساحة الدبلوماسية ل”مسد” لكنه أضعف الإيمان الذي يتوجب على الإدارة الذاتية و”مسد” الخوض فيه.
-تحدثت في ورشة بوخوم، عن ضرورة التغيير التدريجي، سيما أن التغيير الجذري قد يعود بنتائج عكسية في مجتمعنا. وذكرت مثالاً عن عمل الرئيس التونسي السابق “السبسي” في قضية الميراث. القضية التي وضع أسسها بورقيبة، منذ فترة طويلة.
هناك تغييرات جذرية في شمال وشرق سوريا. هناك رئاسات مشتركة بين النساء والرجال. المحاصصة هي 50%، على غير ما يرغب به “مجتمعنا الشرقي” هل يجب أن نقلق؟
شورش: ثمة أمور لا تحتمل التغييرات، التي قد تبدو منفّرة للمجتمعات المحلية. أو أنها تبدو أيديولوجية مباشرة، كمسألة منع تعدد الزوجات. وفي هذا شيء من الاتاتوركية أو لنقل البورقيبية في تونس.
ربما كان الأجدر الاهتداء بالتجربة التونسية اللافتة في مسألة مشابهة، ألا وهي موضوعة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، والذي كان أحد أحلام المؤسس بورقيبة، حتّى جاء بعد طول سنين الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، والذي وضع مشروع قانون في هذا الصدد، قد لا يلقى الموافقة التشريعية لسنّه. ما يهم في هذا المثال، أن بعض التغييرات الجذرية التي تمسّ العقائد الدينية الراسخة، بحاجة لنضال مستدام، ونقاشات مستمرّة، لا أن تفرض من أعلى.
ربما كان هناك مجال للتروي، وخوض نقاش مفتوح حول هذا الموضوع، وسواه من موضوعات مشابهة. سيما وأن قانون الأحوال الشخصية السوري، يجيز تعدد الزوجات.
بغض النظر عن آرائنا الشخصية في هذا الصدد، إن علمنة المجتمع من فوق وبقرار إداري، سيدفع بالمجتمع إلى رفض ما قد يكون في مصلحة المجتمع بالأساس.
أما مسألة إشراك المرأة في الحياة السياسية عمل خلّاق ومهم. ومسألة الرئاسة المشتركة هو نمط حزبي مقبول، ومن الممكن أن نرى مثل هذا الأمر التقليد في تركيا لدى حزب الشعوب الديمقراطي وكذا حزب الخُضر في ألمانيا.
ما تحقق للمرأة من مساواة ورد اعتبار في مناطق الإدارة الذاتية جدير بالملاحظة، وإبداء الإعجاب، سيما ونحن نفاضل بين أوضاع المناطق في سوريا، وما تعانيه المرأة من اضطهاد وتمييز وذكورية وإقصاء.

-كيف تقيم ورشة بوخوم، ماهي الإيجابيات والسلبيات، وكيف يمكن تطوير عمل الورشات القادمة؟
شورش: الورشة ناقشت موضوعات مهمّة، ملف المعتقلين في سوريا، مسار الدستور وإشكالية استبعاد ممثلي ثلث البلاد (شرق الفرات)، والأزمة السورية المركّبة، ومخاوف المشاركين من المصائر التي تنتظر السوريين، ومسألة الإعداد لمؤتمر للقوى والشخصيات الديمقراطية المعارضة، كما أن ورقة (آليات خارطة الطريق) التي تم نقاشها، لم تلق النقد الشديد وعكست رؤية وطنية ونوايا حسنة، رغم أن النوايا لا تكفي لحل أزمة معقّدة كالتي تعيشها بلادنا.
لعل هذه المسائل على تنوّعها حيوية ومهمة، وذات صلة بحيواتنا كسوريين في البلاد وفي الدياسبورا (الشتات).
جدير بالملاحظة هنا أنه من بين الإيجابيات الأخرى، والتي قد تبدو ثانوية، أن الورشة كانت سورية معنى ومبنى، ولم تحمل دمغة دولة داعمة أو راعية.
من السلبيات التي يجب التوقّف عليها، كانت مسألة التمثيل النسوي المنخفض. كما أن عدد المشاركين فاق الشكل المرتجى من هكذا أنشطة، الأمر الذي أثّر على مساحة المشاركة، والاستعجال في قول بعض الأشياء المهمة التي تحتاج إلى وقت ورويّة.
ننتظر من الورشات المقبلة عدم توسيع نقاط النقاش لتكون أقرب إلى الورشات التخصصية، مع مراعاة حالة التنوّع الوطني، والتمثيل النسوي الوازن إضافةً إلى إرسال الموضوعات التي ستتم مناقشتها (الأوراق) إلى المشاركين كي يتسنّى لهم الإعداد الملائم.

حوار طالب إبراهيم