حسن محمد علي يكتب: رسالة إلى الشهيد فرهاد شبلي

2٬311

إلى الرفيق فرهاد ديريك..
رفيقي فرهاد صعقني اتصال هذا الصباح عن استشهادك.

لملمت اتصالاتي، وبحثت في خبايا تأكيد الصاعقة.. صاعقة استشهادك يا فرهاد.

رغم تأكيد الرفاق أن الصاعقة وقعت، إلا أني بحثت لدى رفاقي في كردستان، علَّ خبر الصاعقة يترنح، علَّ القتلة الغادرون فشلوا في استهدافك، علَّ الموت أخطأ بوصلته، وضاعت عنه طرق الوصول إليك.

أكّد الرفاق استشهادك. لم يضيع القتل بوصلته، لم تغب عن الطرق مساريب الوصول إليك.

التقيتك قبل عشرين يوماً، في ذلك اللقاء الذي جمعنا على ماضٍ نضالي وحاضر يصارع البقاء ومستقبل يلزمه البناء، تحدثت عن آخر جولتك إلى كل مناطق شمال وشرق سوريا من الشهباء إلى منبج إلى كوباني إلى الطبقة والرقة ووصلت إلى الجزيرة وختمتها في ديريك.

لم تكن جولتك يا فرهاد وداعية، لم نعِ أن عينيك الحرتين كانتا تودعان الآفاق في تلك المساحة من الوداع والذكرى، سألت تفاصيل كلماتك مزيجاً من القوة والإرادة.

لم نكن نعرف أنه الوداع الأخير، لم نعِ اللحظة يا فرهاد..
وكأنك توصينا “احموا شمال وشرق سوريا.. احموا إنجازاتكم.. ودافعوا عن القيم.. قد لا أتمكن من رؤيتكم ثانية.. احرصوا ودافعوا وتوهجوا وقاوموا.. التحديات كبيرة، والمهام كبيرة، والحلول يجب أن تكون على قارعة الطريق..”.

أين الوداع يا رفيقي في هذه الجمل الملونة.. لقد كان وداعاً يا فرهاد.. لقد كان وداعاً..

خلف عتبة الباب الخارجي صافحتك، عانقتك، على أمل لقاء قريب قادم.. هل تذكر يا فرهاد، في لحظة الفراق تلك، تحدثت عن رحلتك الجديدة، عن وطن بحجم القلب، وتحدثت عن الشعب، عن قوة بحجم الكون.. وفي هذا الصباح نفذ الموت إلى ثناياك.. هذا الصباح نفّذ الموت المهمة.

كنت فرهاد كوباني، وفرهاد تل أبيض، وفرهاد الحسكة، وفرهاد عفرين، وفرهاد قامشلو، وفرهاد ديريك، وفرهاد عين عيسى وفرهاد الرقة… كنت فرهاد الشهداء.. فرهاد عوائل الشهداء..

هل تذكر تفاصيل الأمل والألم في المناطق المحررة، وتفاصيل بناء الإدارة الذاتية، وعلى هامش الأعمال الكبيرة، يأتي انخراطك بين الناس، تطبيقاً لكل المبادئ التي زرعتها الثورة في نفسك، في كشف قيمة الإنسان، الإنسان باعتباره قيمة عليا.

تفاصيل كثيرة، تشير إلى قيمة الإنسانية لديك، وتشير إلى جوهر الإنسان لديك.

تفاصيل فرهاد، الثوري صاحب المواقف والقوة والتخطيط في الوصول إلى الحل.. فرهاد الحنون كطفل، والصلب كطلقة مسدس.

فرهاد المستقبل في حزب سوريا المستقبل، ودوره الأمين في الأمانة العامة..

فرهاد المقام، وفرهاد الوظيفة، في الحزب وفي الإدارة.. أعطونا المهام ونحن نوقدها في الإدارة..

فرهاد روجافا الذي شارك في مراحل التأسيس العظيمة، بكل تعبها وأرقها ونجاحها..

فرهاد الأب، الذي يحضر أكياسه من الطعام والمؤونة، حين كنا في التدريب..

فرهاد الأحاديث، الذي يظهر في كلماته ما لا يمكن له أن يخفيه..

فرهاد الموقف، الذي يتعامل مع الحالات الحرجة بكل صلابة ومهنية..

فرهاد المبادرات، في اللحظة التي يحتاج الموقف لمبادرات..

فرهاد المقاتل، وفرهاد القائد.. فرهاد المعلم، وفرهاد السياسي وفرهاد التنظيم..

فرهاد الأممي، بكل تفاصيل هذا العالم الملون بالقوميات..

فرهاد المغامر، الذي لا يعرف للمغامرة حدود، طالما القضية مسألة حياة أو موت..

يا رفيقي الشهيد.. يا رفيقي فرهاد، عندما أغوص في الذكريات، أرى نفسي في بحر فرهاد.. اعذرني يا رفيقي.. بحرك واسع.. ومن المحال أن نلثم أبعاده مهما غصنا في أعماقه..

اليوم أنجز الموت مهمته.. اليوم نفذّ الغدر وظيفته.. اليوم نعرف أكثر من أي فترة سابقة، أن هذا الموت الغادر، لن يقطع السلسلة، ولن يصل إلى غايته.. اليوم نعرف يا فرهاد، أن وداعك هو حياة جديدة، أن فراقك هو تواصل جديد، وأن غيابك، ما هو إلا جولة صغيرة، وأن فرهاد الغائب هو بداية لصعود آلاف من فرهاد  مستندين إلى نظريتك، وجهدك ونضالك وبحرك..

١٧/٠٦/٢٠٢٢

رفيقك حسن محمد علي