التقرير السياسي الصادر عن المجلس العام بتاريخ 28-12-2020

4٬912


مع نهاية عام مليء بالأزمات الداخلية والخارجية، من حروب وصراعات واحتلالات وانتشار لوباء كورونا وأزمات اقتصادية ، وبداية عام جديد يقترب فيه السوريون من الذكرى العاشرة لحراكهم الثوري السلمي, الذي تحول إلى تراجيديا حملت معها كل أشكال العنف والقتل والإرهاب والتهجير ، ويبقى المشهد السياسي السوري رهيناً للتجاذبات الإقليمية والدولية بعيداً عن متطلبات الشعب السوري ومكوناته، كل ذلك تسبب في تأخُّر الحل السياسي الذي بات مطلباً لكلِّ السوريين.

ويعود ذلك إلى عدَّة عوامل داخلية وخارجية, منها ما تتحمله الحكومة السورية وأجهزتها القمعية، ومن جهة أخرى فقدان المعارضة لأي مشروع سياسي وطني، إضافة إلى تدخلات القوى الإقليمية والدولية، ولجوء تلكَ القوى إلى الحل العسكري والاستعانة بالأطراف الدولية على حساب مصالح الشعب السوري، مما حوَّل سوريا إلى ساحة للحرب, وتحول شعبها بين مهجر وقتيل ومعتقل, وأطفالها إلى مشردين بلا تعليم ولا مأوى,  وشبابها إلى وقود لصراعات إقليمية وأمراء للحرب ومرتزقة يتعيشون من فوهات بنادقهم.

إن ما يؤرِّق السوريين اليوم هو عدم وجود رؤية واضحة وحقيقة للحل بعيدة عن التجاذبات الدولية ، كل ذلك واضحاً من خلال الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الشعب السوري إثر العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه.                     

فإذا أمعنَّا النظر في الحكومة السورية وسياستها وتجاهلها للواقع وإصرارها على العودة إلى ما قبل ٢٠١١ والتعامي عمَّا يحصل في سوريا وتجاهلها لكافَّة مقررات الأمم المتحدة وأهمها القرار ٢٢٥٤ وما تتضمنه من حل للأزمة السوريَّة، واللجوء إلى منصَّات متحيِّزة لا تحقق مطالب الشعب السوري ” أستانة – سوتشي ” ، وهذا ما تُرجم على أرض الواقع من خلال ما تعقده من مؤتمرات جوفاء ليس لها أي هدف سوى إطالة الأزمة وتشعُّب طرق الحل، وهذا ما حصل في مؤتمر إعادة المهجَّرين المنعقد في دمشق, وكذلك لقاء الرئيس الأسد مع وزارة الأوقاف وتكريس الحالة القومية والدينية، من خلال إصراره على عروبة سوريا وأسلمتها وعدم اعترافه بمكونات الشعب السوري وقوميَّاته ، فبهذه الخطابات, والمؤتمرات  كمن يريد إطفاء النار بالمواد المشتعلة، في وقت يحتاج فيه السوريون إلى الاعتراف بعضهم ببعض ضمن حوار وطني سوري جامع .

وفي سياق آخر نجد ما تُسمى المعارضة السوريَّة الساعية والجاهدة عبر سياساتها الممنهجة والمتماهية مع الاحتلال التركي لإحداث تغيير ديمغرافي داخل سوريا وخصوصاً في مناطق عفرين وتل أبيض ورأس العين, وانتهاج الاحتلال التركي سياسة التهجير القسري وفرض اللغة التركيَّة ورفع العلم التركي، وهذا ما أكدَّه رئيس الائتلاف السوري نصر الحريري بتشكيل مفوضيَّة للانتخابات في المناطق المحتلة ، وفصل أجزاء من سوريا, وإحداث قبرص جديدة في المنطقة، ومسح الهوية الوطنيَّة الراسخة وإفراغ الذاكرة من صور التعايش بين أبناء القبيلة الواحدة والوطن الواحد, وهذا ما حصل في مؤتمر العشائر المنعقد في بلدة “سجو – عزاز” ومطالبة الاحتلال التركي بالدخول والتوسُّع في مناطق شرقي الفرات, والدفع بالمجموعات الإرهابية إلى عين عيسى, وقصفها من قبل المرتزقة السوريين المسمى بالجيش الوطني وارتكابهم أفظع الجرائم بحق البشرية, والتي ترتقي إلى جرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية.

وفي خضم هذه الصراعات تسعى الإدارة الذاتيَّة في شمال وشرق سوريا وكافَّة القوى السياسية, ومجلس سوريا الديمقراطية, وحزب سوريا المستقبل، في الدعوة إلى الحوار مع كافَّة الأطراف السورية المؤمنة بالحل السلمي معتمدة مبدأ التعايش بين مكونات الشعب السوري, والدفاع عن حقوقه ومكتسباته التي تحققت على يد قوات سوريا الديمقراطية خلال السنوات الماضية في محاربة داعش وطردها من المنطقة, وهذا ما تؤكّده سلسلة اللقاءات والمؤتمرات, وآخرها مؤتمر الجزيرة والفرات، ومطالبتهم بتمثيل المنطقة باللجنة الدستورية والمشاركة عبر المنصات الدولية في صياغة دستور لسوريا يتوافق مع مكونات أبناء سوريا.

ومن الجهة الأخرى نرى مثلث أستانة يستمر بوضع العراقيل أمام أي حل سوري ضمن مقررات الأمم المتحدة واللجوء إلى الحل العسكري, وتقاسم النفوذ بين تركيا وروسيا وإيران, فروسيا من جهتها تسعى لتوسُّع نفوذها في سوريا, وتحول سوريا إلى شركة معيارها الربح والسعي لسداد الديون المترتبة جراء الحرب, وتحريض العشائر العربية الموالية للنظام والدول الإقليمية والحكومة السورية ضد قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتيَّة بدعوات مفادها أنَّ الولايات المتحدة تحاول إنشاء دولة انفصالية شمال وشرق سوريا واستغلال الخلافات التركية مع الناتو وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا باجتياح مناطق شرقي الفرات ومنها عين عيسى بغرار ما فعلت في عفرين، وفي حال نجحت بالضغط على قوات سوريا الديمقراطية فإنها لن تتوقف عند حدَّ معين, بل ستشمل كل المناطق الغنية بالنفط والغاز والمحاصيل الزراعية, وسوف تتبع سياسة قضم الأراضي بشكل تدريجي حتى يتم إنهاء الإدارة الذاتية وإضعاف قوات سوريا الديمقراطية، وإعادة الحكومة السورية إلى المنطقة.

وبالتنسيق مع روسيا نلاحظ أنَّ تركيا تسعى أيضاً إلى توسُّع نفوذها في سوريا والمنطقة، واعتماد سياسة الفوضى الخلاقَّة وتحويل المنطقة إلى بؤرة لوباء الإرهاب والتي قامت بتصدير المرتزقة إلى العالم, وهذا ما فعلته في العراق وليبيا وأذربيجان ولاحقاً في كشمير وباقي الدول, وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في المناطق التي احتلتها من سوريا.

وبالتوازي مع القوى الإيرانية في سوريا خاصة والشرق الأوسط عامة فإنها تسعى إلى تثبيت النظام السوري وتوسعها في المناطق الحيوية والاقتصادية وتبنيها لمليشيات حزب الله وغيرها من المليشيات الطائفية.

وفي ذات السياق نرى عدم وضوح السياسة الأمريكية تجاه سوريا عامة وشمال و شرق سوريا خاصة في المرحلة الانتقالية ما بين ترامب وبايدن, وكذلك تعثر محاولات المبعوث الدولي “بدرسون” في استئناف الحوار وفق مرجعية جنيف و القرارات الدولية في تناول اللجنة الدستورية مما يُفسر بإطالة أمد اﻷزمة وتفاقم اﻷوضاع أكثر من ذلك.

فإننا في حزب سوريا المستقبل، نؤكِّد بأنَّه لابدَّ لكافة الدول الداعمة لأي طرف سوري والفاعلة أن تدرك بأن وجودها في سوريا والحفاظ على مصالحها يدخل ضمن حل المسألة السورية، وأخذ مصالح شعوب المنطقة والشعب السوري بعين الاعتبار, وأن تسعى لتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة وخاصة القرار 2254

وحرصاً منا على صيرورة واستمرارية الحوار، مؤكدين على الحوار بين الأطراف الكردية لكونه يصب في الاتجاه الصحيح ويخدم القضية الوطنية برمتها ورغم تعقيدات المشهد السوري يبقى الحوار هو الطريق الأمثل لصناعة الحلول, وأن يكون هناك مرجعية سياسيَّة تضم كافة القوى الديمقراطية المؤمنة بالحل السلمي.

وعلى هذا الأساس تبقى أهداف ومهام حزبنا محددة في الدفاع عن المكتسبات التي حققها أبناء شمال وشرق سوريا في نضالهم ضد الإرهاب, وتحرير المناطق المحتلَّة من سوريا, وإخراج المحتل التركي من مناطقنا.

المجلس العام لحزب سوريا المستقبل
الرقة
28-12-2020