طالب إبراهيم يكتب: أمريكا وروسيا.. سباقات في المكون العربي!

1٬465

تفكر أمريكا في إنشاء فصيل عسكري جديد من المكون العربي في مناطق شمال وشرق سوريا، في الفترة التي تسابقها فيه روسيا لإنشاء فصيل آخر من ذات المكون، وفي ذات المنطقة أو على تخومها.
في منطقة الشدادي، جنوبي الحسكة، فتحت القوات الأمريكية باب التجنيد للأهالي، بهدف تشكيل فصائل محلية. وفي السياق نفسه، يروج الحديث عن رغبة روسية في تجهيز فصيل محلي أيضاً من المكون العربي، تحت مسميات محلية، من أجل العمل خارج دائرة الجيش السوري النظامي.
ما هي القصة؟
لماذا هذا السباق المحموم بين دولتين كبيرتين، تتنازعان السيطرة والنفوذ، لا في سوريا فقط وإنما في الإقليم وفي العالم، دولتان تسيطر كل منهما على ما يكفي من الأراضي السورية، سيطرة تؤكد أن الكيان السوري باعتباره دولة مستقلة، هو مجرد مصطلح وهمي، يطفو متثاقلاً في عقول الكثيرين، ولا وجود له كتمثيل واقعي في ساحة الحرب المتواصلة.
الإدارة االذاتية واقع قائم، تعبر عنه القوة والمساحة والسكان، وتشير إليه شبكة العلاقات في الداخل والإقليم والعالم والثورة، ولكنه واقع محاط بالكثير من المخاطر.
الخطر التركي بكل تفاصيله العسكرية والميليشيوية والارتزاقية. والخطر الروسي والذي يختفي خلف شعارات وحدة الأراضي السورية، لينتشر في كل المناطق، ووفق قوانين المصلحة والقوة وموازينها، معتمداً على مفردة “الشرعية” التي منحه إياها النظام السوري، في انتشاره وسيطرته واستيلائه على الأراضي السورية.
والخطر الأمريكي، والذي قدم مناطق الإدارة الذاتية أكثر من مرة للمحتل التركي، متجاهلاً تحالفات واتفاقيات وتفاهمات مع من يسميهم حلفاؤه في المنطقة.
ولا يغيب أبداً خطر النظام السوري، بما يحمله من رغبة في إعادة فرض سيطرته على القوة والمساحة والسكان والثروة، مستفيداً من هول التناقضات في الجغرافية والتاريخ والنفوذ، ومعوّلاً على “ظاهرة” الانتماء، هذا المصطلح الذي يغوي الكثيرين، ويزيد من حجم الحقد والثأر وصولاً إلى استثماره في المجال العسكري.
في الصراع على التمثيل، تسعى أمريكا للاستثمار في المكون العربي في شمال وشرق سوريا، لأنها تفضل التعامل مع أكثر من طرف في المساحة الجغرافية الواحدة، لسهولة كسب التنازلات في أعقاب المراهنة على الخلافات. وتكسب أمريكا كثيراً، بوجود عوامل كثيرة للانشقاق بين المكونات الاجتماعية في المنطقة، سيما في فترة الحرب، وبعد سنوات طويلة من الحكم الديكتاتوري، والذي اعتمد في استتباب حكمه واستمراره على نشر ثقافة الشقاق.
تكسب روسيا أيضاً أكثر، بوجود أكثر من طرف، وأكثر من حليف، وأكثر من “فاغنر”، وإذا استطاعت أن تَسلُخ ميليشيا “فاطميون” عن الأجندة الإيرانية، فالقدرة على سلخ آخرين عن “انتماءاتهم” السياسية والطائفية”، أمر وارد، خاصة في ظل تطوير مفاهيم الانتماء، وشروطه.
أما تركيا فقد استثمرت في المكون العربي جيداً، ليس في الحرب على مناطق الإدارة الذاتية فقط، ولكن أيضاً في عمليات التغيير الديمغرافي، والتي طالت كل المناطق التي سيطرت عليها، والاستثمار التركي فيهم، جعلهم في فوهة مدافعها، وفي مقدمة جيشها، وفي واجهة الجرائم والانتهاكات والفظائع.
في صورة المخاطر الجسيمة التي تحيط بالإدارة الذاتية كواقع، يغدو أي حديث عن تحالف بين المكونات الاجتماعية على أساس طائفي أو قومي، بمثابة طعنة للمشروع السوري، الذي يعتمد في جوهره “الثوري”، على بناء عقد اجتماعي يتخطى القوميات والأديان والطوائف، ويحتاج إلى مراهنات مؤلمة ومتعبة في دربه الشاق والطويل والمرهق.
عن قناة اليوم