طالب إبراهيم يكتب: تركيا.. داخل الصندوق الأسود!

1٬082

وجّه حزب الشعب الجمهوري التركي، دعوة لأعضاء في حزب البعث السوري، لحضور مؤتمر حول سوريا سيعقد في استانبول آخر هذا الشهر.

قد يكون حزب الشعب الجمهوري حزباً معارضاً لبعض توجهات حزب العدالة والتنمية التركي، حزب الرئيس التركي أردوغان. ولكنه حزب يخدم سياسة أردوغان “البراغماتية” في الكثير من تفاصيلها.

منها على سبيل المثال، الانخراط في المحاولات الدولية والإقليمية والعربية الخجولة، لإعادة تأهيل النظام السوري. هذه المرة عبر دعوة عناصر “غير مهمة” في النظام السوري ذاته، مقدمة لدعوة آخرين مهمّين.

سبق هذه المحاولة “غير البريئة”، من حزب الشعب التركي “المعارض”، محاولات حثيثة أخرى لأركان نظام أردوغان ذاته، كانت في تصاريح متلاحقة لعناصر “مهمة من نظامه”، ذكرت بصراحة أن لا مشكله في إعادة ترشيح الرئيس السوري بشار الأسد لولاية جديدة، عندما تنتهي هذه الولاية، شريطة أن يحترم الديمقراطية. ثم أكد أردوغان ذاته، ما قالته شخصيات نظامه. كل ذلك حدث قبل أن يدعو الشعب الجمهوري التركي، إلى استانبول، البعث السوري.

لا تشكل الدعوة انزياحاً كبيراً في سياسة تركيا “الأردوغانية” التي لا تعرف اتجاهاً واحداً، لكنها تلفت الانتباه إلى اتجاه آخر أكثر وضوحاً للسياسة التركية القادمة، مع بوادر تشكيل نظام تركي جديد.

يواجه أردوغان اليوم صعوداُ مثيراً لرجل استانبول في حزب الشعب التركي إمام أوغلو. إثارة صعود إمام أوغلو، تكمن في فتحه لملفات كثيرة ومعقدة، ملف الفساد داخل حزب أردوغان وداخل عائلته، الملف الكردي، والذي بدأ عبر الرقص في ساحات حزب الشعوب الديمقراطي، والملف السوري عبر بوابتين، بوابة اللاجئين، وبوابة النظام السوري عبر إعادة الاعتبار لبعض مؤسساته ورموزه.

صعود إمام أوغلو يعيد عجلة التاريخ قليلاً إلى الوراء. فقد صعد أردوغان فجأة في استانبول، مع صعود نفس إسلامي تركي بالتوازي مع الديمقراطية الأفقية. ثم نما الاقتصاد التركي بعد تسهيل عمل الشركات الكبيرة، ونصب شبكة أمان للشركات الصغيرة. ثم فتح أردوغان ذاته ملفات معقدة كثيرة كان على رأسها، ملف السلام مع حزب العمال الكردستاني PKK.

ثم انتكست سياسات أردوغان الداخلية، بدأت بانهيار عملية السلام مع ال PKK، ثم شهد الاقتصاد النامي، جموداً قبل أن يشهد انهياراً، قبل أن تتعزز ظاهرة “أخونة” السلطة بالتوازي مع معاقبة الآخرين وتطويع الديمقراطية، عبر بروز خط إسلامي متشدد ترافق مع انزياح الحريات.

أخونة السلطة التركية، وأزمة الاقتصاد، ومعاقبة الشركاء والمعارضين، وانشقاقات حزب العدالة، وعزوف المؤسسين عنه، ومشاكل تركيا مع الغرب والشرق، كل ذلك قد يشير إلى قرب انهيار “جملة” تركيا الأردوغانية.

رجل أعمال هولندي، يستثمر جزء كبيراً من أمواله في تركيا قال: “تركيا أحد أركان النظام ما فوق العالمي.. لا تنهار”. يؤمن ال businessman هذا بنظرية المؤامرة. أن هناك نظام “ما فوق عالمي” هو يدير كل شيء، من الحروب إلى الثورات إلى الثروات، وفي هذا النظام هناك تفصيل رئيسي لتركيا بأنها لا تنهار من حيث الجوهر، لكن من فترة لأخرى، هناك ضرورة لتغيير الشكل.

إذن يظهر اليوم “مخلّص” جديد في تركيا، أكرم إمام أوغلو “شكل جديد” حسب توصيف ال Businessman الهولندي. وأين؟ في استانبول. المدينة التي شهدت صعود  “المخلّص” أردوغان في فترة سابقة.

رفض أردوغان بداية فوز أوغلو، ثم وافق على مضض. ويحاول عبر حكومته وإعلامه، تشويه صورة الفوز بتقليل أهمية بلدية استانبول، وصورة الفائز عبر الضغط عليه وتهديده. كما فعل مؤخراً وزير داخليته “سليمان صويلو” حين صرخ مهدداً: “على إمام أوغلو عدم إقحام نفسه في أمور لا تعنيه”. معترضاً على مشاركة أوغلو رؤساء بلديات أكراد أقالهم أردوغان من مناصبهم زوراً.

صعود قائد استانبولي جديد، ضمن منظومة تركيا السياسية، يفتح ملفات كثيرة، منها ملف الفساد، وملف الديمقراطية الأفقية، وملف ال PKK، والرقص في مسارح الساحات المعقدة.

“جملة” تركيا الأردوغانية أنجزت مهمتها، هذا قرار “الدولة العميقة”، ويجب بناء شكل جديد. ربما هذه المرة عبر الشعب الجمهوري، بدأ بصورة تتشابه تماماً، مع صورة بناء أردوغان. يبقى فقط انتظار ساعة الصفر لتبديل السلطات من جديد، وتحجيم دوائر النفوذ، وكف يد الشخصيات التي تثير الريبة.

#حزب_سوريا_المستقبل
#مقالات