عبد الوهاب بدرخان يكتب: السودان كعبرة أولى للبنان!

1٬026

ستُخرج واشنطن واسرائيل كلّ ما لديهما من ملفات، لفرض أمر واقع على الحكام والحكومات العربية، يضطرّهم لتزكية “صفقة القرن” بأشكال متعدّدة.

والدول المأزومة اقتصادياً، كالسودان ولبنان، هي أضعف الأهداف. خيّر السودان بين إبقاء العقوبات عليه وبين “التطبيع” مع اسرائيل. أما لبنان فليس مطالباً بـ “التطبيع” بل يإيجاد حلٍّ لمشكلة “حزب الله”.

أنظروا الى السودان… واعتبروا بأن لـ “صفقة القرن” تداعيات بدأت لتوّها، ليس فلسطينياً فحسب بل عربياً. كل دولة مأزومة وتحتاج الى مساعدة خارجية ستجد نفسها مرغمة على التكيّف مع الإملاءات الأميركية.

وحتى لو لم تكن مأزومة لكن لديها قضية تتطلّب دعماً أميركياً، فإنها ستخيّر بين حجب الدعم، وبين السير في ركاب “الصفقة”.

تتعامل إدارة دونالد ترامب بالإرشادات الإسرائيلية، وكأن كل دولة من المحيط الى الخليج موضوعة على حدة في سياق “يوم الحساب”: تريدون أميركا إذاً خذوا إسرائيل معها، وإذا رفضتم اسرائيل فلن تحصلوا على اميركا… والخيارات البديلة أمامكم: أوروبا، روسيا، الصين، إيران، وكلّها جُرّب ويُجرَّب، فإمّا إنها محدودة القدرة، وإمّا أنها تحت العقوبات، أو أنها بدورها مأزومة.

والجديد أن الثنائي الأميركي – الإسرائيلي لم يعد ليقنع بـ “تطبيع” ديبلوماسي، بل ينبغي أن يكون في العمق سياسياً وأمنياً، وإلا فإن المساعدة الأميركية ستبقى جزئية ومتقطّعة، ولكم في مصر والأردن مثالان موحيان.
ثمّة أوجهُ تشابه بين السودان ولبنان: دولةٌ مفلسة، نُخرت على مرّ العقود بسوء الإدارة والحروب الداخلية والفساد، اقتصادٌ على الحضيض، عملةٌ بلا قيمة، تنميةٌ عشوائية…

وإذ تمثّل ثورة الشعب السوداني، فرصة تاريخية لإعادة تأسيس سليم للدولة، فإن الحكام الجدد، وجدوا أن الإقلاع بالإصلاحات، يستلزم التخلّص من إرث النظام السابق، للحصول على دعم خارجي.

لكن حتى الدول الراغبة في المساعدة، نصحت بالسعي لدى اميركا، لرفع السودان من لائحتها للدول الداعمة للارهاب، بما تعنيه من عقوبات تكبّل كل التعاملات المالية الدولية مع الخرطوم.

أبدت واشنطن استعداداً إيجابياً، لكن الواضح الآن أنها اشترطت، فكان لقاء عبد الفتاح البرهان مع بنيامين نتانياهو، والاتفاق على “التطبيع”. وعشية اللقاء تلقّى البرهان دعوة لزيارة واشنطن.

في الأسابيع والشهور المقبلة سيُوضع العديد من الدول العربية أمام خيارات صعبة، لأن خلفيات “الصفقة” مشغولة بمافياويّةٍ وابتزازيةٍ منهجيّتين، والمطلوب توجيه ”طعنات” للفلسطينيين مقابل بعض الإغراءات والمكاسب.
لم تفرض اميركا عقوبات على لبنان، بل تولي عنايةً خاصةً لجيشه. ومع أنها صنّفت “حزب الله” منظمة إرهابية، وتعرف أنه القوة الحاكمة والمتحكّمة وصانعة الرؤساء والحكومات، إلا أنها اكتفت حتى الآن بعقوبات على “الحزب” وتلوّح بفرضها على حلفاء له.

هذا الوضع قد يجنح الى الأسوأ، عند أي عملية ضد الاميركيين، يُشتبه بأن لـ “الحزب” دوراً فيها.

كانت واشنطن تعتقد، ومثلها لبنانيون كُثر، بأن “الحزب” سيفهم (بعد عودته من سوريا) ويتصرّف، لكنه فهم وفضّل أن يحتجز البلد رهينة خياراته.

وإذ باتت الأزمة والمالية والاقتصادية مستحكمة، فإن واشنطن تنتظر لبنان عند منعطف لجوء الحكومة الى الخارج لمعالجة الأزمة.

في الأثناء يدور جدل عقيم على ثقة أو لا ثقة بحكومة حسان دياب، وكأن الذين استرأسوه واستوزروا وزراءه، سيتوقفون عند هزال بيانه الوزاري.

عن صفحته في الفيس بوك.

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كتابها وليس بالضرورة عن وجهة نظر الموقع