الاحتلال التركي والتوسّع في سوريا

1٬001

بعد مضي فترة على مفاوضات الولايات المتحدة مع تركيا، بشأن التنفيذ المشترك لـ “منطقة آمنة” في شمال شرق سوريا، بدأت تركيا العضو الرئيسي في الناتو في 9 أكتوبر عمليات التوغل الأحادية في المنطقة.

بدأت عمليتها المسماة “ربيع السلام” عبر قيام الجيش التركي بشن غارات جوية مكثفة وقصف أهداف عسكرية ومدنية استراتيجية. وترافق مع انسحاب القوات الأمريكية، بينما تحركت الفصائل السورية المدعومة من تركيا عبر الحدود الدولية. لقد فعلوا ذلك لانتزاع السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الديمقراطية السورية (SDF) – الحليف السوري متعدد الأعراق للولايات المتحدة في سوريا منذ عام 2015. تركيا وحلفاؤها يتهمون قوات سوريا الديمقراطية بالتواطؤ مع المتطرفين.

أفادت الأنباء أن الجيش التركي والجماعات السورية التي دربتها تحت مسمى “الجيش الوطني” للمعارضة السورية – ارتكبت سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان منذ بدء العملية. بدءاً من عمليات الإعدام دون محاكمة، والهجمات غير القانونية، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية والنهب.

اعتبر تقرير صدر مؤخراً لمنظمة العفو الدولية أن القوات التركية وشركاءها “أظهروا تجاهلًا مخزيًا للحياة المدنية”، ووجدوا “أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب”.

الانتهاكات تعزز الدليل على التغيير الديموغرافي المدعوم من تركيا:

ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون هذه الانتهاكات مفاجئة، بالنظر إلى قاعدة الأدلة الحالية للجرائم المماثلة التي ارتكبها نفس الفاعلين، أو ذوي الصلة في منطقة عفرين الشمالية الغربية في سوريا. على مدار أكثر من عام ونصف العام. فهناك انتهاكات لحقوق الإنسان واسعة النطاق، وهي مرتكبة ضد السكان المحليين في هذه المنطقة ذات الغالبية الكردية في أعقاب إطلاق عملية الزيتون في يناير 2018 هناك، وحملة عسكرية أخرى قامت بها القوات المسلحة التركية وحلفاؤها السوريون.

في دراسة نشرتها مؤسسة فريدريش إيبرت شتيفتونغ الألمانية حول الإسكان والأراضي والممتلكات، ادعى جميع من أجريت معهم مقابلات في عفرين أنهم تعرضوا لانتهاكات على أيدي فصائل الجيش الوطني. وسط الخوف من الاضطهاد التعسفي، ذكر أحد المصادر: “يبدو أن الفصائل تتنافس على من يمكنه أن يتصرف بشكل أسوأ”.

مع تواتر ملفت للنظر خلال الشهر الماضي، تلقيت تقارير حول العديد من الانتهاكات نفسها التي يتم إعادة إنتاجها في مناطق شمال شرق سوريا، والتي أصبحت تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني المدعومة من تركيا. وبالفعل ، فإن أحرار الشرقية، وهي جماعة سيئة السمعة لارتكاب انتهاكات في عفرين، قد اتُهمت بالفعل بقتل السياسية الكردية البارزة والأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، وناشطة حقوق المرأة، هيفرين خلف، في شمال شرق سوريا.

ويخشى السكان هناك ظهور “سيناريو عفرين” في شمال وشرق سوريا.

إن الاعتراف بأنماط مماثلة من الانتهاكات المرتكبة في مناطق مختلفة من شمال سوريا يعزز الأدلة على أن تركيا تعمل على تطوير استراتيجية للتغيير الديموغرافي.

لطالما اعتبرت تركيا مشروع الحكم الذاتي للأكراد السوريين على الجانب الآخر من حدودها بمثابة تهديد للأمن القومي. وتدخلت لمواجهة ما تسميه “ممر إرهابي ناشئ”. ومع ذلك ، فإن تدخل تركيا كدولة فاعلة خارجية، مع تاريخها الحافل للنزوح القسري لسكانها الأكراد، يقدم جانباً عرقياً واضحاً، لتحليل هذه التطورات.

تقليل الخدمات وزرع الخوف لدفعهم للنزوح:

قبل إطلاق عمليات “ربيع السلام” و”غصن الزيتون”، كانت مناطق شمال شرق سوريا وعفرين تحت إدارة الجهات الفاعلة التي يقودها الأكراد منذ عام 2012. وقد تجنبت هذه المناطق إلى حد كبير الدمار الشديد الذي شوهد في أماكن أخرى من البلاد. واستقطب استقرارها النازحين السوريين بأعداد كبيرة. أسفرت العملية العسكرية التركية عن طرد مئات الآلاف من السكان المحليين في شمال شرق سوريا.

في إطار عملياتهم، استهدف الجيش التركي وحلفاؤه منشآت الخدمات العامة، بما في ذلك المنشآت الطبية في كل من عفرين وبلدة سري كانيه / رأس العين شمال شرق سوريا.

إن الاستهداف التركي الأخير لمحطة علوك المائية في شمال شرق سوريا، ساهم بقطع مياه الشرب عن 400000 شخص. وهذا يذكرنا بالأفعال المماثلة في عفرين، التي أدت إلى زيادة النزوح إلى الحد الأقصى. تم تكرار “حكم الغابة” الفوضوي الذي تميز بعد احتلال عفرين في شمال شرق سوريا مع حالات الاختطاف من أجل الفدية والقتل التعسفي والترهيب.

وهناك ممارسة أخرى ثابتة تتمثل في قيام المقاتلين من “الجيش الوطني” بتوثيق عملياتهم بأنفسهم، أثناء ارتكابهم جرائم حرب بشعة. سرعان ما أصبح الفيديو الشهير لأعضاء الجيش الوطني، حيث يقف عناصره فوق جثة مشوهة للمقاتلة الكردية بارين كوباني، الفيديو الذي يعتبر رمزا للوحشية المرتبطة بعملية عصن الزيتون في عفرين. من منتصف شهر أكتوبر، يتم نشر مقاطع فيديو لفصائل الجيش الوطني التي تنفذ عمليات قتل الأسرى من شمال شرق سوريا، يتم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع.

استهدف الجيش التركي وحلفاؤه منشآت الخدمات العامة، بما في ذلك المنشآت الطبية في كل من عفرين وبلدة “سري كانيه” رأس العين شمال شرق سوريا. وتقارير عن استخدام الفوسفور الأبيض كسلاح جديد في الترسانة التركية، ساعد على نشر الخوف بين السكان المحليين، وحفز المزيد من المدنيين على الهروب.

الاحتلال والانتقال:

مثل هذه الإجراءات أفرغت فعليًا المنازل من أصحابها الأصليين، ومهدت الطريق لنقل المقاتلين المرتبطين بالمعارضة السورية المدعومة من تركيا على نقل عائلاتهم إليها.

وصفت منظمة العفو الدولية تركيا بأنها “تغض الطرف” عن انتهاكات شركائها السوريين، حيث ينظر السكان المحليون بقوة إلى ذلك، بمثابة مكافأة تقدمها تركيا لحلفائها بسبب مشاركتهم في العملية.

بما أن النازحين العرب والتركمان يمثلون الآن الأغلبية في بعض مواقع عفرين الكردية على وجه الحصر تقريبا، هناك دليل واضح على حدوث انتهاكات تتزامن مع تغيير في الهندسة الديموغرافية.

ومما يدعو إلى القلق أن العلامات الأولية لهذه العملية قد بدأت بالفعل في مناطق شمال شرق سوريا في إطار عملية ربيع السلام. في بلدة تل أبيض، على سبيل المثال، تشترك الفصائل المسلحة المتنافسة المشاركة في القتال في صف الجيش التركي، في مطالباتها بالمنازل على أساس أن المنزل المعني مخصص لهم، بمجرد تحديد أسمائها بالدهان عليه، مرفق بكلمة “محجوز”. كما وردت تقارير موثقة عن نهب الممتلكات في كل من سيري كانيه “رأس العين” وتل أبيض “كري سبي”.

يبقى هناك أمل في أن تمارس الولايات المتحدة نفوذها بعد سنوات من الوجود العسكري في شمال شرق سوريا لوضع حدّ للتدخل التركي المأساوي، مع قيام الرئيس التركي أردوغان بالإشارة بشكل متزايد صراحة، إلى خطط نقل الأكراد من شمال شرق سوريا، إلى جانب تقارير عن عودة اللاجئين السوريين من تركيا قسراً إلى تلك المناطق، مما يشير أن سيناريو عفرين يتكرر اليوم في شمال شرق سوريا.

By Thomas McGee

ترجمة حزب سوريا المستقبل عن

opendemocracy

#حزب_سوريا_المستقبل
#تقارير