فراس الأسد.. قد نصدّق!

1٬032

 

في يوم من الأيام، حمل أحد أبناء رفعت الأسد ملفّاً إلى الرئيس بشار الأسد، لإحدى شركات الخليوي الطامحة إلى العمل في سوريا. و طلب منه أن يساعده على دخول تلك الشركة إلى السوق السورية كحال السرياتيل قائلا له: “اعتبرني متل رامي، بشو هو أحسن مني”؟!
كان ذلك -طبعا- هو لقاؤه الأخير مع الرئيس.
لله و للتاريخ..
كل طبقة المسؤولين و أبنائهم، “من أكبر راس لأصغر راس”، و كل طبقة التجار وأبنائهم، و أخص تجار دمشق و حلب، جميع هؤلاء لا يفرقون عن بعضهم البعض إلا بحجم المنفعة التي حصلوا عليها من خلال الدعم المباشر أو غير المباشر. “و يلي بدو يعتبرني منهم ما في أي مشكلة، المهم أنو توصلكم الفكرة بوضوح”.
كلهم اعتبروا سوريا مزرعة، وكلهم تعاملوا مع السلطة على أنها غنيمة.
كلهم كان همهم الأوحد، على مدى عقود من الزمن، كيف يملؤون جيوبهم من خلال سلطتهم، “لمن يملك السلطة” أو من خلال علاقتهم بالسلطة و دعمها لهم، أو من خلال الحصانة التي وفرتها لهم السلطة ليفعلوا ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب.
ومن يريد اليوم أن يتحدث عن رامي مخلوف وأهله، عليه أن يتذكر نفسه وأن يتذكر أهله.
استحق محمد مخلوف وأولاده أن يكونوا رمزاً للفساد، لأنهم الأكبر ثروة، والأوسع نفوذاً.
و لكنهم أصبحوا رمزاً بالنيابة عن جميع الفاسدين، الصغير قبل الكبير.
أنا شخصياً عندما كنت أذكر رامي مخلوف في كتاباتي، لم أقصده لشخصه يوماً، فهو لم يأذني على المستوى الشخصي، و أنا لم ألتقِ به في حياتي كلها إلا مرتين تبادلنا فيهما التحية، الأولى في عزاء باسل الأسد، والثانية في عزاء أخيه مجد.
كنت أذكر اسمه دائما كرمز للفساد الكبير، الذي نخر جسد الدولة السورية، فأحالها إلى شبح دولة. لم يكن بالإمكان -ولن يكون- ذكر أسماء جميع الفاسدين في كل مرة نتحدث فيها عن الفساد، و لم يكن بامكاني على المستوى الشخصي تعداد الجميع لأنني لا أعرف إلا القليل منهم على كثرتهم، لذلك كان رامي الرمز الذي أستعمله لأنه الأكبر والأقرب والأقوى والأشهر والأغنى والأوسع نفوذا.
مشكلتنا مع سياسة الفساد التي ينتهجها النظام منذ عقود، وليست مع رامي مخلوف أو غيره. ذهب رامي جاء سامي، قام عامر جلس سامر.
مشكلتنا ليست في الأسماء، مشكلتنا أن النظام قام أساساً على نهج الفساد.
الفساد بالنسبة لهذا النظام هو استراتيجية أساسية في أسلوبه للحكم. وهذا هو جوهر القضية و أصل الكارثة.
محاربة الفساد لا تكون إلا من خلال الشفافية المطلقة وعبر المحاكم المختصة.
كل عملية يقصد فيها محاربة للفساد لا يعرف المواطن السوري منها التفاصيل، والأرقام، والأسماء، هي ضحك على الذقون وذر الرماد في العيون.
كل دعاية عن محاربة الفساد لا نرى فيها الفاسدين على شاشات التلفزة واقفين باحترام أمام قضاة المحاكم المختصة ما هي إلا دعاية جديدة لمرحلة جديدة من الفساد بأسماء جديدة وبأساليب جديدة.
كل عملية لمحاربة الفساد لا يكون الهدف الوحيد منها، هو تحويل الأموال المنهوبة إلى جيب المواطن الفقير هي تمثيلية فاشلة.
منذ متى كان اللصوص يحاسِبون بعضهم البعض؟!
اللصوص يتحاسَبون ولا يُحاسَبون..
محاربة الفساد لها طريق واحد. وهو إنشاء محاكم مختصة بفساد المسؤولين والضباط والتجار والمدعومين من السلطة و من خارج السلطة. وعبر فتح جميع ملفات المخابرات أمام هذه المحاكم، ونشر جميع المعلومات على مواقع تنشأ لهذا الغرض على الانترنت. وبث مباشر من داخل قاعات المحاكم.. الخ..
كلام لن يحصل أبدا إلا في أحلامنا، و سوف تبقى سوريا مزرعة، ومع اعتبار شعبها سهل القيادة إلى أبد الآبدين ما لم يتوقف الشعب السوري عن حفلات الدبكة و التصفيق الأبله.
من يريد محاربة الفساد فليلجأ إلى عشرات الآلاف من فقراء الجيش السوري، الذين يقاتلون معه بكل قوة ومحبة وقناعة وامتنان.
أليس هؤلاء الفقراء هم من قاتلوا أعداء الوطن من الدواعش و أخواتهم؟!
لماذا لا تسمحون لهم بمقاتلة الفساد و الفاسدين؟!
لماذا؟
هل هم أسود في الميدان ضد الدواعش، وأرانب أمام الفاسدين؟!
أليس لأنكم أنتم رؤوس الفساد، و أنتم أهله، و أنتم أمه و أبوه؟!
و حتى لا أترك مكاناً للشك فيما أكتبه، أقترح أن تبدؤوا من مطالبة أوروبا بأموال و أملاك رفعت الأسد، وأبنائه بمن فيهم فراس رفعت الأسد “كاتب هذه السطور” إن وجدتم له شيئا باسمه. هناك اليوم ما قيمته أكثر من مليار دولار محجوز من قبل الحكومات الأوروبية، لماذا لا تطالبونهم بتلك الأموال باسم الشعب السوري؟!
ما الذي يمنعكم عن أملاك رفعت الأسد و أولاده “بمن فيهم أنا” بطول سوريا وعرضها.
ما الذي يمنعكم عن أملاك عشرات الآلاف من المسؤولين والمدعومين والتجار السابقين والحاليين المنتشرة على مساحة سوريا ومدنها ومناطقها وريفها وقراها؟!
ما الذي يمنعكم عن ملاحقتهم في القضاء الدولي في كل مكان؟!
حتى الذين انشقوا عنهم كخدام وطلاس وغيرهم، لم تفكروا يوماً في ملاحقتهم قانونيا في الخارج.. لماذا؟!
نفس السبب الذي منعكم من ملاحقة أملاك أي فاسد في الداخل أو الخارج على مدى خمسين عاماً، هو ما يمنعكم اليوم عن ذلك..
دولة فاسدة كلها. من الرأس إلى القدم، من القلب، إلى الرئة، إلى الكبد، إلى الطحال، إلى الأمعاء، إلى الشرايين.
دولة تهجر شعبها، ثم تصدر القوانين للاستيلاء على أملاكهم وبيوتهم وأرزاقهم.
فكيف يعالج السرطان نفسه بنفسه؟!
و مع ذلك. ومع كل اليأس الذي نغرق فيه كسوريين. نحن جاهزون كي نصدق ما لا يُصدّق!
هاتوا خيركم كله ان كان قد بقي فيكم شيء من الخير.. ارجعوا إلى شعبكم ان كنتم قادرين على ذلك.
افعلوا هذا المستحيل..
فقد نصدق!

صفحة فراس الأسد في الفيس بوك

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كُتَّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.