نيكولاس فان دام.. العامل الكردي في سوريا حقيقة سياسية!

2٬585

يقدم الباحث والدبلوماسي الهولندي نيكولاس فان دام “Nikolas Van Dam” في هذا الحوار مجموعة غنية من الأفكار. وجهات نظر لباحث غربي متخصص بقضايا وثقافة الشرق. لماذا كانت تنبؤاته حول النظام السوري وسوريا صائبة. لماذا عجزت المعارضة السورية عن تحقيق هدفها في إسقاط النظام السوري. ما دور الغرب في ذلك. كيف ينظر الغرب للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وما مآل العلاقة مع تركيا.

نيكولاس فان دام، باحث ومستشرق ودبلوماسي، درس الأدب والشرقيات في جامعة أمستردام، سفير هولندي في ألمانيا وعدة دول أسيوية وعربية. أصدر أولى كتبه نهاية سبعينيات القرن الماضي وكان لنيل شهادة الدكتوراة، بعنوان “الصراع على السلطة في سوريا”، وترجم إلى الانكليزية والعربية والتركية، قبل أن يصدر كتاب “هولندا والعالم العربي” وصولاً إلى كتاب “تدمير وطن” الذي يبحث في الأزمة السورية بعد 2011.
نص الحوار
-نيكولاس فان دام، كنت ممن قالوا إن سقوط النظام السوري لن يتم بالطرق السلمية، وسيكلف الكثير من الدماء. وقلت إن النظام الآن أقوى من معارضيه. كيف ترى مسألة أنك كنت على صواب؟
-مع الأخذ في الاعتبار وجود أكثر من نصف مليون ضحية للحرب في سوريا، إلا أنه لا يمكن إنكار أنني (للأسف) كنت على صواب في التنبؤ- قبل ثلاثين سنة من بدء الثورة السورية- بأن أي مواجهة مع النظام السوري، إذا كان الهدف منها الإطاحة به، سيكون ذلك دمويًا للغاية.
كانت الأحداث الدموية السابقة، مثل مجازر حماة في ثمانينات القرن الماضي مؤشراً واضحاً على ما يمكن توقعه من أي مواجهة مع النظام السوري في المستقبل. أي شخص لديه معرفة عميقة ببنية النظام السوري وسلوكه، لن تكون مثل هذه التنبؤات صعبة.
-وصلت قوات المعارضة المسلحة السورية إلى العاصمة دمشق في فترة سابقة. وكانت تقصف العاصمة من أماكن مختلفة بالهاون. وكان الرئيس السوري محاصراً. قبل أن تتدخل روسيا وتقلب التوازنات. هل تعتبر أن النظام السوري هو أقوى من المعارضة، أم أن روسيا هي التي تحدد الأقوى الآن؟
-لا تعتمد القوة العسكرية للنظام السوري على نفسه فقط، بل تعتمد أيضًا على من يدعمونه. في هذه الحالة روسيا وإيران وحزب الله.
ولكن الأمر نفسه ينطبق أيضًا، على جماعات المعارضة. لقد تلقت الدعم من دول مثل الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر وبريطانيا وفرنسا وغيرها. وبدون مثل هذا الدعم من الخارج ، لم تكن قادرة على الصمود لفترة طويلة. لكن الدعم الخارجي لها، لم يكن خاضعاً للتنسيق بشكل جيد.
دعمت كل دولة أجنبية، تفصيل معين تفضّله من المعارضة، دون تنسيق هذا الدعم مع الآخرين بطريقة تجعل الانتصار العسكري ممكناً. كما أن دعمهم العسكري لم يكن كافياً من حيث الجودة والكمية للمساعدة في تحقيق ذلك.
اشتكى بعض قادة المعارضة العسكرية في بعض الأحيان، أن الإمدادات العسكرية التي تلقوها كانت نوعًا من “التغذية بالتنقيط” وهي لم تكن كافية. وتلقوا في بعض الأحيان وفي وقت واحد أوامر متناقضة من البلدان التي تدعمهم.
في ذلك الوقت، تم إعطاء الانطباع كما لو أن قوات المعارضة قد وصلت إلى قلب دمشق في غضون 20 دقيقة. كانت هذه بيانات كما لو أنهم لم يواجهوا أي مقاومة من النظام السوري. كانت هذه أماني أكثر منها واقع.
حقيقة كانت تتمركز في دمشق ومحيطها في ذاك الوقت بعض أهم وحدات النخبة العسكرية النظامية. سيطرت قوات المعارضة على العديد من ضواحي دمشق، لكنها لم تتمكن من الحصول على المزيد. على العكس من ذلك، استغرق النظام وقتًا طويلاً في استعادة هذه الضواحي.
كان أحد العناصر الصعبة هنا، أن هذه الحرب لم تكن في الحقول المفتوحة، بل كانت داخل المدينة والأحياء المأهولة.
عندما ظهر للروس أن النظام السوري في خطر، عام 2015 ، أي بعد أربع سنوات ونصف على بداية الثورة السورية “2001”، قرروا التدخل مباشرةً. فتحوّل ميزان القوى بشكل حاسم لصالح النظام.
لو عانى النظام مثل هذا التهديد في وقت مبكر، لتدخل الروس أيضاً ساعتئذ. لا يريد الروس أن يفقدوا حليفهم الاستراتيجي الوحيد في المنطقة.
-في فترة سابقة، تحدث البرلمان الهولندي عن مسألة دعم الحكومة الهولندية لأكثر من فصيل إسلامي سوري معارض، وذكرت وزارة الخارجية الهولندية أن الدعم كان لوجستياً قبل أن تتحدث تقارير صحفية أن جزء من الدعم كان غير ذلك.
بين هذه الفصائل من كان مناصراً لجبهة النصرة- فصيل القاعدة في سوريا. ثم فجأة اختفت الأخبار حول ذلك. لماذا برأيك دعمت هولندا فصائل مسلحة كانت تناصر القاعدة؟
-لم يكن هناك دعم هولندي للجماعات العسكرية “الإسلامية أو الجهادية أو الإرهابية” في سوريا، ناهيك عن عدم وجود أي دعم هولندي لجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة. على العكس من ذلك، لعبت جماعات المعارضة العسكرية السورية التي حصلت على دعم هولندي دورًا مهمًا في الكفاح ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وكذلك ضد جبهة النصرة.
المساعدات التي قدمتها الحكومة الهولندية، كانت مساعدات غير فتاكة. علاوة على ذلك، فإن الجماعات العسكرية المعنية هنا، لديها آراء آيديولوجية تعارض بقوة آراء جبهة النصرة.
في الواقع ، يمكن اعتبار الجماعات العسكرية التي تلقت مساعدات هولندية غير فتاكة، أعداء لجبهة النصرة.
في الحالة الاستثنائية التي كان فيها بعض “التعاون” بين هذه الجماعات، كان فقط لحماية أنفسهم من التجاوز والقتل على يد “داعش”؛ لا شيء آخر.
-تحدث أعضاء في البرلمان الهولندي منذ مدة، عن ضرورة دعم الأكراد في شمال وشرق سوريا. وهو ما يعرف عنه الآن بمناطق الإدارة الذاتية. لكن لم يتوازى ذلك مع مسائل دعم واضحة. مثلاً دعم مسألة إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة عناصر تنظيم داعش الإرهابي.
هولندا التي تضم في أراضيها أهم محكمتين دوليتين لمحاكمة مجرمي العالم. لماذا لا تقوم هولندا بدور ما واضح في محاكمة مجرمي تنظيم داعش المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية، أو تساهم في إنشاء محكمة دولية خاصة في سوريا لمحاكمتهم؟
-تفخر حكومة هولندا بوصف مدينة “لاهاي” ب “العاصمة العالمية للسلام والعدالة”، بسبب مختلف المؤسسات الحقوقية الموجودة فيها، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
عندما يتعلق الأمر بانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، وارتكابها لجرائم الحرب، فإن “هولندا” لا تستحق هذا الاسم، لأنها تمتنع عن اتخاذ أي خطوات حاسمة ضد الجرائم الإسرائيلية. هناك على الأقل عدد قليل من البيانات الهامة، ولكن لا توجد إجراءات لاحقة.
أعتقد إن مسألة إنشاء محكمة جنائية خاصة في لاهاي، للتعامل مع الجرائم التي ارتكبتها داعش، ينبغي توجيهها إلى الحكومة الهولندية. لا يوجد أي بلد آخر وافق على إنشاء مثل هذه المحكمة المحددة على أراضيها.
أعتقد أن معظم الدول تريد تقديم أعضاء داعش إلى محكمة عسكرية، لكن من الأفضل ألا يكون ذلك في بلدهم بل في مكان آخر.
من العوامل المعقدة للدول الأوروبية أنها ترفض عقوبة الإعدام. لذلك، لديهم أفكار أخرى حول جعل أعضاء داعش يحاكمون عسكريًا في بلد مثل العراق على سبيل المثال.
يجب الفصل بين إرسال عناصر داعش إلى المحكمة العسكرية، وبين دعم “الأكراد” في شمال سوريا، لأنه ينطوي على تعقيدات أوسع بكثير. على الرغم من أن الاقتراح بتأسيس مثل هذه المحكمة يأتي من سلطات PYD / YPG ، التي من الواضح أنها تريد أن تعفى من تحمّل عبء سجن عناصر داعش في المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم.
فيما يتعلق بدعم بعض البرلمانيين الهولنديين لـ “الأكراد” في سوريا، من اللافت للنظر أن أولئك الذين انتقدوا بشدة المساعدة الهولندية غير الفتاكة المقدمة إلى مجموعات قليلة من الجيش السوري الحر، كانوا في البداية من أكثر المؤيدين “بشدة” لفكرة تقديم المساعدات إلى “الأكراد”، وهذا يعني في الممارسة العملية PYD / YPG. .
عند مقارنة فصائل المعارضة التابعة للجيش السوري الحر، والتي تلقت مساعدات غير فتاكة، مع أكراد PYD / YPG. يمكن الإشارة إلى أن كليهما متهمان بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
تحولت “الحرب النظيفة بالكامل” إلى أنها ليست توقعًا واقعيًا، لا سيما في سياق حرب قبيحة استمرت سنوات عديدة في ظل أكثر الظروف قسوة ووحشية. من الواضح أنه مع بعض البرلمانيين الهولنديين، فإن “العرب” أقل شعبية من “الأكراد”.
في الواقع ، لا يزال الدعم الهولندي لـ “الأكراد” في سوريا رمزيًا أكثر منه عمليًا. وأتوقع أن يتم استبعاد أي إمكانية لتزويد القوات العسكرية الكردية بالمساعدات غير الفتاكة، وبالتأكيد في ضوء المناقشات البرلمانية الهولندية السابقة شديدة الأهمية حول المساعدات غير الفتاكة المقدمة سابقاً إلى جماعات المعارضة العسكرية السورية الأخرى.
– أشعر أن هولندا لا تملك سياسة خارجية مستقلة. بالحد الأدنى تجاه بلدي الأم سوريا. أشعر في كثير من الأحيان أن هولندا تنفذ أجندة أمريكية ما. دعم فصائل إسلامية. دعم مجموعة خاصة جداً من الناشطين السوريين. هل شعوري واقعي؟
-السياسة الخارجية الهولندية مستقلة من حيث المبدأ، ولكنها في الوقت نفسه جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي. من الخطأ في رأيي القول إن هولندا تنفذ أجندة سياسية للولايات المتحدة. علاوة على ذلك، وفيما يتعلق بسوريا، فإن هولندا ليست مدرجة في المجموعة الأصغر المقيدة من “أصدقاء سوريا”، والتي تعد الولايات المتحدة عضوًا فيها.
-يتكرر في كتابيك/ مصطلح “النظام البعثي” في إشارة إلى سيطرة حزب البعث على الحكم في سوريا. إضافة إلى وصف النظام بصفات أخرى. ويصف المعارضون الإسلاميون في سوريا النظام ب “النظام العلوي” في إشارة إلى سيطرة الطائفة العلوية على الحكم. وتفضّل بعض التنظيمات اليسارية في سوريا بوصفه ب “النظام الديكتاتوري” في إشارة إلى سلوكيات النظام الذي تحكمه الديكتاتورية، واستعماله للطوائف ولحزب البعث في ديكتاتوريته. هل النظام في سوريا بعثي أم علوي أم أنه يستخدم البعث والطوائف؟
– يمكن وصف النظام السوري بأنه “دكتاتورية البعثيين”، والتي يسيطر عليها أهم أفراد من الطائفة العلوية الذين يرتبط بعضهم ببعض بشدة.
أود أن أضيف أنه بينما كان حزب البعث يلعب دورًا مهيمنًا في الماضي بين 1963-1970 بشكل خاص، إلا أنه بعد 1970 أصبح حزب البعث خاضعًا تمامًا لشخص الرئيس.
مفهوم “النظام العلوي” غير صحيح ، لأن العلويين بشكل عام، يقمعون من قبل الديكتاتورية السورية مثل الطوائف الدينية السورية الأخرى، مثل العرب السنة والدروز والإسماعيليين والمسيحيين.
كما لا تمثل “الديكتاتورية”، بحكم تعريفها، مجتمعًا بأكمله، بل جزءًا مقيدًا منه. علاوة على ذلك ، تجدر الإشارة إلى أن هناك أعضاء من الطوائف السورية االأخرى، “غير العلوية” الذين يدعمون النظام، وبعضهم يشغلون مناصب مهمة في ذلك. هذا لا يعني إنكار أن الولاءات الطائفية أصبحت عاملاً مهمًا خلال الحرب في سوريا.
-في شرق وشمال سوريا اليوم، سلطة حكم أخرى. تحاول تقديم صورة مختلفة لسوريا في المستقبل. إدارة سياسية تشريعية هي مجلس سوريا الديمقراطية. وسلطة تنفيذية هي الإدارة الذاتية. وجناح عسكري هو قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قوات التحالف الدولي.
وبسبب تشكيل هذه القوة من تشكيلات كردية سابقة، فهي عرضة لتدخل تركي متواصل، حصار وعمليات عسكرية، احتلال عفرين، ومحاولة السيطرة على مدن أخرى. وفي ذات الوقت تعاني من حصار النظام االسوري لها، بسبب أنها بديل حقيقي عنه. هناك انفتاح غربي عليها لكنه بسيط، وغير مؤثر. ألا يهم الغرب عموماً وجود بديل حقيقي عن النظام السوري، ويجب دعمه. بديل مدني ذو فكر حر، ينظر إلى كل المكونات السورية باعتبارها تفصيلات مهمة وأساسية في رسم مستقبل سوريا. لماذا لا يتعامل الغرب مع هذا القسم المهم من سوريا بطريقة مختلفة؟
-أعتقد أنه يهمّ معظم الدول الغربية، وجود بديل لنظام الحكم في سوريا. لكن بنسبة أقل عندما يقتصر هذا على منطقة شمال سوريا فقط، التي يسيطر عليها الأكراد من حزب الاتحاد الديمقراطي.
يظهر أن هناك بعض التقارب بين الأحزاب الكردية عموماً، إلا أن معظم الأحزاب الكردية السورية، قد عارضت إلى حد كبير “حتى الآن” حزب الاتحاد الديمقراطي PYD. وتعارض معظم الأحزاب السورية فكرة الحكم الذاتي السياسي الكردي السوري، وتفضّل شكلاً من أشكال اللامركزية الإدارية بدلاً من ذلك.
بشكل عام، يبدو أن هناك اهتماماً غربياً بالتجارب مع الإدارة المحلية والحكم، ولكن أقل من ذلك عندما يتعلق الأمر بمجتمعات إثنية أو دينية محددة فقط.
تعارض تركيا بشدة أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي في سوريا، لأن ذلك سيؤثر على وضع الأكراد في تركيا نفسها، ويعتبر حزب العمال الكردستاني “PKK” و PYD / YPG تنظيمات “شقيقة” لأن لها مبادئ أيديولوجية متماثلة.
لو علمت الحكومة التركية مقدماً أن تدخلها العسكري في سوريا سيؤدي إلى تعزيز مكانة الأكراد في سوريا وصعودهم، لكانت فكرت مرتين قبل القيام بذلك.
فيما يتعلق بالولايات المتحدة، أرى أن موقفها تجاه “القوات العسكرية الكردية السورية”، هو في الأساس علاقة استراتيجية بحتة. يمكن أن تستخدم القوات الكردية كوسيلة مساعدة مهمة ضد داعش، وكذلك وسيلة للضغط على النظام السوري في تنازلات (على الرغم من أنني لا أعتقد أن الفكرة الأخيرة ستنجح). إضافة أنه ينطوي على صراع مع تركيا العضو في الناتو.
قد يرغب النظام السوري في استخدام PYD / YPG لخلق توازن مع جماعات المعارضة السورية الأخرى، وكذلك ضد تركيا، التي تحتل أجزاء من سوريا.
يتعلق الأمر بشكل أساسي بالتحالفات المؤقتة ذات الأهداف الاستراتيجية، والتي لا تستند حقًا إلى الصداقة للأكراد.
بعد قول كل هذا ، أعتقد أنه لا يمكن التراجع عن ظهور “العامل الكردي” في سوريا. إنها حقيقة سياسية جديدة ، نتجت عن التدخلات العسكرية لمختلف البلدان في سوريا.

حوار

طالب إبراهيم