ذات صلة

سميرة العزيز تكتب: الحياة الندية التشاركية أساس لبناء العائلة الديمقراطية

من المعلوم أن المجتمع قد مر بمراحل عديدة من التغيير والتحول تاريخياً، حيث بدأ بالكلان والعشيرة ويستمر بالقبيلة ومن ثم الشعوب والأمم كما هو الحال في راهننا، أن اتخاذ المجتمع شكلاً جديداً مع كل عملية تغيير واضافة قيم جديدة وخاصة الاخلاقية منها حسب حاجته يعني ترك ما فات عليه الزمن جانبا، ولكن هذا لا يعني بأن كل تجديد حصل عليه المجتمع مع شكله الجديد نابع من العدم، إلا ان لكل مرحلة غناها الثقافي اضافتها إلى الحياة حسب الزمان والمكان، وهذا هو الدليل الملموس على أن المجتمعية بنية حية، إن الكثير من القضايا العالقة ضمن المجتمع تحتاج إلى الحلول الجذرية بالطبع أن الحلول لا تأتي على سوية واحدة، بل تحتاج إلى التحليل التاريخي والاجتماعي والفلسفي للبحث عن أسباب حدوث هذه القضايا، من غير الممكن أن نتحدث عن المرأة بدون أن تكون تلك المرأة تمثل الحياة الصحيحة ومن غير الممكن أن نتحدث عن الحياة بدون وجود الحرية الحقيقة، ومن غير الممكن أن نتحدث عن مجتمع سليم بدون تحليل جدلية المرأة والرجل، والمجتمع نسيج يجب أن تسوده المحبة والمودة والاحترام والعدالة وإن نسيج المجتمع يبدأ بفهم حقيقة العلاقة بين المرأة والرجل لأنهما سر الترابط الاجتماعي فإن فهم حقيقة هذه العلاقة تعبر الركائز الأساسية لبناء المجتمع وتطوره، وهي التي تحدد مصير المجتمع وعلى هذا الأساس فإن بناء مجتمع أخلاقي سياسي كهدف أساسي للديمقراطية يرتكز على تطوير العلاقة المتوازنة القائمة بين الرجل والمرأة على أساس الحياة الندية التشاركية الحرة التي من خلالها يحافظ كل طرف على وجوده وكينونته، كما لا يغفل الدور الأساسي للمرأة، كونها الفرد المنفعل ومحور العملية الاجتماعية، ويقع على عاتقها تكوين المجتمعات لذلك يجب تسليط الضوء على دورها الريادي في بناء المجتمع، حيث يعود الفضل الأول والأخير إلى المرأة في ذلك، فهي التي أبدعت بكل القيم المعنوية والمادية، وعملت على تطبيق هذه القيم بشكل عملي، فطبيعة المرأة الإنجابية وتربيتها لأبنائها وتنشئتهم وتنميتهم في مختلف المجالات الحياتية ليست من الأمور البسيطة، إن التغيير الإيجابي الذي تسعى له المجتمعات مرهون بشكل كبير بواقع المرأة، ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع، ومن هنا يجب تعزيز دور المرأة في كافة مناحي الحياة، ومساندتها بشكل مستمر، والعمل على تذليل الصعوبات مثل العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تلغي كيان المرأة وتفرض عليها التبعية للرجل، وكأن الرجل هو الحياة والمرأة لا شيء، فالمفهوم الأسوأ في هذه المعادلة حين تعتقد المرأة هي أن سترتها هو الرجل ولا معنى لحياتها بدون الرجل، وبعض القوانين والأنظمة المجتمعية التي تعيق تحقيق المرأة لذاتها، بالإضافة لتأطيرها ضمن الصور النمطية لشكل مؤسسة العائلة التقليدية، التي فرض شكلها حسب هيمنة الرجل وسلطته على المرأة والعائلة والمجتمع، والسبب الكامن وراء كل هذا هو أن جميع هذه الظواهر معجونة بعجينة الذهنية الذكورية، كما أن كل أيديولوجية تتخذ من هذه الذهنية أساساً لها فإنها بداية تضع المرأة ضمن هذا المفهوم، ولأن المرأة ليست حرة فلن يكون بمقدورها أن تتحرر، وإن تعريف المرأة لذاتها وتحديد دورها في الحياة الاجتماعية شرط أساس من أجل حياة سديدة، وبقدر ما تعرف المرأة يغدو تعريف الرجل أيضا أمراَ وارداً، ومحال علينا صياغة تعريف صحيح للمرأة والحياة انطلاقا من الرجل، ذلك أن الوجود الطبيعي للمرأة يتحلى بمنزلة محورية أكثر عبر مفهوم الحياة الندية التشاركية
ورغم كل هذه التحديات والصعوبات التي تواجهها المرأة، فهي قادرة على أن تعيد للحياة انبعاثها واستمراريتها وبنضالها الفكري على إنعاش هذه القيم والمفاهيم في المجتمع، عبر العمل على بناء مجتمع سليم خالي من كافة الشوائب المجتمعية.


وكون المرأة تشكل اللبنة الأساسية في بناء الفرد والمجتمع، وتلعب الدور الرئيسي والجوهري في بناء الفرد والمجتمع، وبما أن الفرد يعود إلى تكوين الخلية فهذه الخلية تبنى على أسس تكوين العائلة، والتي تشكل المرأة جوهرها وأساسها وبنيتها، في كافة مفاصل الحياة، لذلك فقضية المرأة قضية مجتمعية واجتماعية، فأخذت حيزاً كبيراً من الاهتمام، كونها العماد الأساسي في صرح المجتمع الإنساني، لأن الحياة بدون الحرية لا معنى لها، والمرأة بدون الحرية لا معنى لوجودها، فلا بد من تحليل كافة الأمور الشائكة حول قضية المرأة، وإعطاء المعنى الحقيقي لها عبر تعريفها الصحيح، وأهمها الوقوف على قضية الأسرة والعائلة وتعريفها بالشكل الصحيح.

قضية الأسرة والعائلة: الأسرة هي أساس المجتمع فهي أحد عوامل بناء المجتمع، فهي المسؤول الأول عن بناء الأجيال، لذلك يمكن القول بأن بناء المجتمع متوقف على دور الأسرة فهما كانت الأسرة ذات دور ريادي في بناء المجتمع كان المجتمع متقدم ومزدهر، فالتوافق الزوجي هو التقارب واجتماع الكلام وإظهار المودة والمحبة بين الزوجين، إي القدرة على الوئام مع النفس والبيئة الاجتماعية، ويتوقف هذا النهج على التوافق بين الزوجين، فالحياة التشاركية الزوجية هي أحد نماذج الحياة الندية الحرة، بالإضافة لذلك يجب عدم حصر الحياة الندية الحرة في العائلة أو الحياة الزوجية فقط إنما طرحها في كل المجالات الحياتية والعمل على إيجاد مؤسسات اجتماعية تعمل على تطوير الوعي بين الجنسين أمر مهم والابتعاد عن الذهنية التملكية أيضا، وبالتالي يصل الرجل إلى مرحلة المساواة والحرية الاجتماعية على أساس الاختلاف مما يساعد على تهيئة أرضية مناسبة للحياة الندية الحرة. وبالتالي يمكن للمرأة أن تحقق ذاتها الفاعلة على جميع الأصعدة. فإذا كانت هناك إرادة حرة متكافئة يمكن تحقيق حياة ندية حرة تليق بالإنسان.
ومن أجل العيش في ظل الحياة الندية الحرة يستلزم منا:
1- ثمة حاجة ماسة أولاً إلى مصطلح حياة ندية أيكولوجية، لا تعمل أساساً باستمرار النسل والتكاثر.
2- يتوجب الكفاح ذهنياً ومؤسساتياً تجاه السلطة المهيمنة للرجل الحاكم، وضمان نصر هذا الكفاح ذهنياً ومؤسساتياً على صعيد الشراكة الندية الحرة. حيث محال تحقيق الحياة الندية الحرة ما لم يحرز هذا النصر والنجاح الموفق.
3- يجب ألا ينظر إلى العيش مع المرأة على إنها إدامه للغريزة الجنسية تكراراً ومراراً، حيث لا يمكن تحقيق الحياة الندية الحرة من دون القضاء على الحياة الجنسوية الاجتماعية في جميع المجالات الذهنية والمؤسساتية، والتي دامت طيلة تاريخ المدنية، وبلغت ابعاداً مروعة مع الحداثة الرأسمالية فالعيش مع المرأة في كنف البراد يغما والمؤسسات التي تراها ظاهرة ملك ومادة جنسية، لا يدل على الانحطاط الأخلاقي فحسب بل وهو أقبح اشكال الحياة وأكثرها خطأ.
4- حياة الشراكة الندية الحرة مع المرأة غير ممكنة الا في الظروف والأجواء التي ترفض فيها المرأة الملكية والاستغلال.
5- حياة الشراكة الندية الحرة غير واردة الا مع المرأة التي لم تعد إداه لاستمرار النسل، ولا عاطلة عن العمل، ولا يداً عاملة بخسة او مجانية، بل خرجت من كونها موضوعاً شيئياً وحققت وذاتيتها على جميع الصعد.
6- لا يتناسب المجتمع مع حياة الشراكة الحرة الا في ظل هذه الظروف ليتمكن بالتالي من التحول الى مجتمع حر تسوده أجواء المساواة والحرية.
7- حياة الشراكة الندية الحرة واردة بين النساء والرجال الذين طوروا قيمهم البنيوية والعقلية في كنف الأوساط الاجتماعية الإيجابية.

وأثبتت المرأة في شمال وشرق سوريا أنها قادرة على تغيير الذهنية الذكورية، وذلك بتنظيم نفسها في كافة مجالات الحياة، وأخذها الدور الطليعي لبناء مجتمع ديمقراطي أخلاقي، وكقوة عسكرية للدفاع عن ذاتها والتي حاربت تنظيم داعش الارهابي، وحققت انتصارات كتبت بتاريخ نضال حرية المرأة بتحريرها لكافة المناطق في شمال وشرق سوريا، واستطاعت أن تلعب دوراً بارزاً وهاماً خلال الأزمة السورية، وتمكنت من إبراز مكانتها ومن الارتقاء إلى مواقع صنع القرار، وإثبات كيانها في كافة المستويات الحزبية والسياسية والإدارية، وتميزت في تنمية قدراتها العملية والتنظيمية لترسيخ خطواتها نحو التقدم والتطور، واستطاعت عبر نموذج الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية من الحياة الندية الحرة أساساً له، حيث يهدف هذا النظام إلى تفعيل دور المرأة في كافة ميادين الحياة، وبالتالي يؤمن طراز الرئاسة المشتركة انضمام الجنسين للسياسة بإرادتهما الحرة.

وفي ظل هذا النظام لا يحكم لون على لون أخر أو ألوان أخرى أو العكس، فإنه طراز تقوم فيه كل الألوان بالتعبير عن ذاتها وتمثل إرادتها ويسعى كل من الرجل والمرأة عن طريقه لإنشاء حياة حرة جديدة معاً. برز نهج الرئاسة المشتركة كمنهج جديد للإدارة وكتطبيق عملي للحياة الندية الحرة في الشرق الأوسط وأصبح له تأثير على أرض الواقع عبر تطبيقه في المئات من المؤسسات والتنظيمات المتواجدة في شمال وشرق سوريا. بعث منهج الرئاسة أو الإدارة المشتركة والذي هو قيد التطبيق روحاً جديدة في جسد المؤسسات الإدارية حيث يساهم هذا الأسلوب من الإدارة في الابتعاد عن نظم الإدارة المركزية المحملة بالذهنية الذكورية، كما يمثل هذا الأسلوب عموداً أساسياً في بناء مجتمع ديمقراطي متكامل وبتعبير أخر في بناء الأمة الديمقراطية، ولا تزال المرأة مستمرة في عملها ونضالها الدؤوب للحفاظ على الإنجازات والمكتسبات التي حققتها.

ونحن كمجلس المرأة في حزب سوريا المستقبل ملتزمين بمبادئنا الأساسية من خلال المحافظة على مكتسبات المرأة السورية، وترسيخ وتطوير قانون المرأة، وضمان تطبيقه في جميع المناطق السورية، والعمل على تمكين وتوعية المرأة على كافة المستويات، وتحقيق العدالة والمساواة بين المرأة والرجل، فالمرأة المنظمة في المجتمع ذات الإرادة السياسية تنعكس على بناء المجتمع الأخلاقي الديمقراطي، وإنهاء كافة اشكال العنف والإبادة والصهر القومي والثقافي، وتغيير ذهنية الرجل من القوالب الفكرية السلطوية، والتمييز ضد المرأة. لذا يتوجب علينا بأن نتكاتف جميعاً، ونعمل جاهدات من أجل الاعتراف بحقوق جميع النساء السوريات على أنها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان كمرجعية الأمم المتحدة، منها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والقرار 1325 لعام 2000 المرأة والأمن والسلام.
أمامنا مرحلة تاريخية حساسة وغاية في الاهمية ، ومن أجل أن نحرر الوطن ونحرر المجتمع ونحقق الحرية و الديمقراطية، علينا ان نوحد صفوفنا اكثر فأكثر، وان ننزع عن انفسنا القيود التي تكبل حريتنا وتمنعنا من المضي قدماً لتحقيق السلام في سوريا، وان نكون قادرات على قيادة المرحلة وان نسعى لتحقيق احلام شهيداتنا و شهدائنا في بناء سوريا لكل السورين وان نكون القوة المعبرة عن الهوية الوطنية السورية الجامعة لكافة مكونات الشعب السوري وان نحقق العدالة و المساواة في سوريا المستقبل سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية.

سميرة العزيز نائبة ناطقة مجلس المرأة العام لحزب سوريا المستقبل