إن الحالة الجدلية الأزلية بين الرجل والمرأة وأيهما الأكثر تأثيراً وحضوراً!، أدت إلى إشراك المرأة في الصراع الطبقي والقومي والتحرري الذي نسميه بالصراع العنيد من أجل بناء نموذج المرأة الحرة, أو إحياء الجوهر الحقيقي للحياة الحرة، وبهذه المقارنة العميقة نستطيع استنتاج الكثير من المعاني السامية حولها، حيث تعيش المرأة في المجتمعات الشرقية أوضاعاً متفاوتة, بين الحصول على شيء من الحقوق وبين هدرها جميعها، ومع تصاعد حالة الاستبداد السياسي للدولة القومية في المحيط الإقليمي تصاعدت درجة استبداد الرجل الشرقي، الذي يعَّد المرأة كأول المتضررين وآخرهم، وهنا تبقى المرأة تدور في فكرة النهوض في الشرق الأوسط.
علماً لم تأتي هذه الوضعية من فراغ, وإنما كانت نتاج نضال وسعي كبير ومعارك وحروب ضارية لتُثبت المرأة نضالها ضد الاستبداد والدكتاتورية ومقاومة القمع أو الاضطهاد أياً كان نوعه وشكله، سلطوياً أم اجتماعياً أم سياسياً, حيث أثبتت لنا الثورات التحررية الوطنية التي شهدها القرنان التاسع عشر والعشرون, أن أيَّة فلسفة أو تيار أو ثورة لا تقوم بمعالجة قضية المرأة بصورة جذرية وحتمية، فإنها في نهاية المطاف محكوم عليها بالفشل أو الانهيار أو بالانحراف عن أهدافها النبيلة والسامية.
فهنا ملف وباء العنف الممنهج ضد المرأة يحتاج إلى قراءة صحيحة لجذور التاريخ, ولمعالجة حاسمة وسريعة تشريعياً وثقافياً وقانونياً ًوتعليمياً من أجل الانتقال إلى مجتمع ديمقراطي سليم, فالعنف مشكلة لاتتصل بانتمائنا أو عقائدنا أو ديننا أو وجودنا, بل تتصل بالمعنى والمبنى عليه الأساس.. مثلاً لايمكن أن نتوقع من رجلاً مناصراً للديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم المساواة والعدالة والحرية.. أن يعنِّف امرأة نفسياً وفكرياً وحتى جسدياً, ولكن يفعل كل ذلك بل أكثر.. لأنه حقيقة لا يؤمن, ولا يعترف بدور المرأة وحريتها.
فهنا تكمن المشكلة الحقيقية بالذهنية الذكورية السائدة, والقائمة على استعباد وانتهاك وسلب المرأة حقوقها، وبهذا الشكل يبدأ العنف الممارس بحق المرأة, ويساهم فيه كامل المجتمع وبكل أفراده وفئاته, دون أي إدانة أو استنكار, بل ربما تكون الإدانة إن وجدت, فهي للضحية “المرأة”, من جهة ومن جهة أخرى لأن المجتمع لايسمح لها عبر قوانينه وإسقاطاته الظلامية أو عبر العادات والتقاليد والأعراف الغير عادلة والأمراض المجتمعية… والتي تعطي للعنف المسيء بكل أشكال والممارس بحق المرأة المبرر, ليستمد شرعنته من الأنظمة القوموية النابعة من العقلية والمفاهيم الذكورية, والتي تسعى وتعمل منذ العصر السومري للتحكم والسيطرة على الأنثى من لحظة ولادتها حتى موتها, وبهذا يعود التكوين الذهني والوجداني لكل من المرأة والرجل إلى الإرث التاريخي والثقافي والاجتماعي والتعليمي الذي يساهم في تكوين الصورة النمطية والجنسوية للرجل والمرأة بشكل خاص, بحيث يحصرها في إطار تقليدي من الوظائف والأدوار والمكانة الاجتماعية في الحياة العامة, فلذلك يبدأ البناء الاجتماعي بالتراكم العديد من الضغوطات والعوائق الناتجة عن أحداث وعوامل الحياة اليومية والدافعة إلى العنف المباشر، فيتحول العنف من نتيجة إلى سبب, فيولد يومياً مزيداً من العنف والشراسة التي تخلق زاوية مفرغة تتكاثر فيها السلوكيات والأساليب العنيفة, إلى أن تتحول إلى أسلوب الحياة بين الرجل والمرأة.
فعند كل مشكلة أو أزمة أو نكبة اجتماعية أو سياسية وحتى اقتصادية نرى دائماً بأن الضحية الأولى والخاسرة الأكبر هي المرأة بدون شك, يعود هذا كله للمعايير الاجتماعية السلبية التي أدت إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة، وأيضاً لقبول المفاهيم الذكورية المرتبطة بهيمنة الرجال ومنحهم حق السيطرة وأساليب العنف الذي يستهدف المرأة, سواءً إن كان من الناحية الجسدية أو النفسية والعقلية والعاطفية, باستخدام كل وسائل وأدوات القهر والظلم والاستغلال من الألفاظ والكلمات وبالصرخة الواحدة يستطيع أن يسيطر على كل الأجواء الموجودة ليصل إلى حد القتل والاغتصاب مروراً بالضرب والإهانة، وبالتالي تحبس بين أربعة جدران كأسيرة لا يحق لها إبراز هويتها الأنثوية المستقلة.
فلذلك إن نضال المرأة في ظل تسارع الأحداث, والظروف المعقدة والأليمة التي عاشتها كانت من أجل تحرير ذاتها ومجتمعها, بحيث لايمكن أن تتحقق حرية المجتمع مالم تتحقق حرية المرأة، ومن أجل تحقيق ذلك كله لابد على المرأة أن توحد صفوفها وطاقاتها وجهودها أكثر وتنزع القيود التي تكبل حريتها, وتمنعها من السير قُدما لتحقيق أحلامها, وطموحاتها في الحياة الحرة, وتكون صانعة للسلام والعدالة التي تناضل وتكافح لتحقيقها خطوة بخطوة, من خلال المبادئ الأخلاقية, ورؤية مجلس المرأة في حزب سوريا المستقبل الذي يعد إنجازاً عظيماً في مسيرة تاريخ حرية المرأة، وكما له دورا ًبارزاً في تخفيف معاناة وحالات العنف التي تتعرض لها المرأة, واتخاذه من قدسية الدفاع عن النفس والتوعية الفكرية والحياة التشاركية بين الجنسين أساساً ًفي نضاله, ليزيد من إيمان وعزيمة المرأة بذاتها وبأهدافها, ولإبراز الهوية النسائية المتعددة الثقافات.
إلى جانب ذلك لاننسى الدور القذر الذي لعبته الحركات الإرهابية المظللة باسم الدين، والجرائم البشعة التي ارتكبتها بحق الشعوب, وخاصة بحق النساء اللواتي خرجن من عباءات التقاليد البالية, والأعراف الزاجرة والقامعة لتحقيق وجودها الحر الفاعل والمتفاعل ليس فقط على مستوى المساهمة في الإنتاج والحياة الاجتماعية, بل في كافة الميادين دفاعاً عن أسرتها وأمن عائلتها ومجتمعها جنباً إلى جنب الرجل، وفي الوقت ذاته على المرأة أن تحافظ على إرثها التاريخي العريق المتجذر بالأرض والوطن منذ آلاف السنين لتكون الشخصية الطليعية والرائدة في صنع الحياة من الموت, وتكون على قدر المسؤولية والوعي، وتتمثل هذه المسؤولية بإعداد جيل واعٍ قادر على إيجاد مساحة للتعبير عن ذاته، ويؤمن بحق المرأة قبل الرجل وبالحرية والمشاركة الفاعلة في الحياة، ومن هذا المنطلق لتتحد جميع النساء, ولتتوحد جميع الثقافات والمعتقدات والألوان والأصوات لتصل إلى حالة الانتفاضة التي تعود إلى حادثة اغتيال الأخوات ميرابال, اللواتي قدن كفاحاً فريداً, وقاتلن ضد الطغاة والفاشية من أجل تحقيق الحرية الديمقراطية, حتى أصبحن أملاً لجميع نساء العالم.