بيان إلى الرأي العام بمناسبة عيد الجلاء

1٬282

بعد مرور خمس وسبعون عاماً على جلاء آخر جندي أجنبي عن الأراضي السورية، في السابع عشر من نيسان لعام ١٩٤٦, والذي يعتبر أكبر إنجاز حققه شعبنا السوري في تاريخه الحديث.

الذي استعاد فيه حريته وكرامته بفضل تضحيات أبناء سوريا من العرب والكُرد وبقية القوميات المتآخية، الذين جمعهم حبُّ الوطن, ودفعهم للإحساس بأهمية وحدته الوطنية, وسعيهم الدائم للحفاظ عليها والتضحية في سبيلها، مما أعطى للجلاء معاني وطنية وبناء شراكة مُزجت بدماء الشهداء الذين سقطوا في مختلف ساحات سوريا ..

وبذلك تحوَّل السابع عشر من نيسان إلى ولادة جديدة لوطن تنافس الجميع للدفاع عنه، وإنجاز استقلاله الوطني، وأصبح تاريخاً مفصلياً يستعيد فيه السوريون ذكرى أولئك الأبطال الذين اختلطت دمائهم, وتضافرت جهودهم وانتصرت إرادتهم وأثمرت نضالاتهم عن استقلال الوطن وحرية أبنائه من مختلف المكونات الدينية والقومية التي راهنت على الوفاء الوطني.

لكنَّ نزعة الاحتكار والسلطة المركزية التي بدأت بالتنامي دفعت ببعض القوى للإنكار والتنكر للشراكة الوطنية التي صنعت الجلاء، ليبدأ مسلسل الحرمان والقوانين الاستثنائية التي لم تعرف نهاية لها حتى الآن، ولتخلق أوضاعاً مشحونةً بالاحتقان، خاصةً بعد أن استسهلت السلطات الدم الوطني مابعد الحراك الثوري في عام ٢٠١١, وخلق لدى المواطن شعوراً عميقاً بالاغتراب والتمييز في مختلف نواحي حياته، لتختلط لديه مشاعر الاعتزاز بالجلاء مع مشاعر الحرمان والانكار.

لقد توَّج الجلاء مسار نضال طويل ضد الاحتلال، مُقدماً أغلى التضحيات وأثمن الدماء, وترافق نضال شعبنا بالمطالبة بالحرية والكرامة وبناء دولة القانون والدستور والحقوق المدنية للفرد والمجتمع، والديمقراطية في إدارة المجتمع.

وإنَّنا في حزب سوريا المستقبل نستلهم الدروس من تجربة النضال والجلاء، فموقفنا من الإرهاب والعنف المسلح والطائفية السياسية والتدخل العسكري الخارجي واضح، وإنَّنا ندعوا للنضال المدني السلمي في نيل الحرية والكرامة، وبناء دولة الحق والقانون، وتطبيق مبادئ حقوق الانسان، هذه الأهداف التي يتفق عليها أبناء حزبنا ويؤيدها أغلبية شعبنا بكافة مكوناته.

إنَّ الذي أدى إلى الأزمة السورية, وإلى الانقسام الحالي بين صفوف شعبنا يعود إلى أسباب عديدة، وعلى رأسها غياب الحريات، وقتل الحياة السياسية، والاستفراد بالسلطة, وغياب التداول السلمي لإدارة الدولة، وقمع كافَّة الأطراف الوطنية المعارضة، وهذا ما رأيناه عند اندلاع المظاهرات السلمية في بداية الحراك الثوري السلمي عام ٢٠١١ ,ولجوء النظام إلى استعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين، وقتل أعداد كبيرة منهم، وزجِّ الآلاف بالسجون، وممارسة التعذيب الوحشي، مقدماً بهذا تبريراً غير مباشر لظهور العسكرة، وأسلمة الثورة، ووجود الثورة المضادة، والتدخل الخارجي للقوى الإقليمية والدولية والتي أصبحت ممسكة بمسار الأزمة السورية.

ومن جهةٍ أخرى اعتماد المعارضة السورية على القوى الخارجية في إسقاط النظام أسوةً بليبيا واليمن والعراق, وهذا ما حول المعارضة إلى قوى مرتهنة بيد القوى الخارجية وخاصةً تركيا وباقي الداعمين الدوليين لها، مما أفسح المجال لعودة المستعمر الجديد عبر الدولة العثمانية وقوى الإرهاب والتطرف.

فإنَّنا في هذا اليوم ندعوا كافة القوى الوطنية من أجل السلام والحل السياسي للأزمة السورية على أساس الحوار السوري السوري, وبيان جنيف١ والقرارات الدولية ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن بهذا الخصوص, وعلى رأسها القرار ٢٢٥٤.

وسنسعى في ذات الوقت إلى التغيير الديمقراطي, وبناء دولة الحريات والقانون والعدالة الاجتماعية, واعتماد نظام الدولة البرلمانية اللامركزية في بلدٍ أصبح يسودهُ الانقسام الطبقي بين فقراء وأثرياء ولدوا من رحم الأزمة والسلطة، وجلاء كافة القوات المتدخلة والمحتلة للأراضي السورية وعلى رأسها الاحتلال التركي ومرتزقته، وعودة المهجرين والنازحين إلى بلادهم وديارهم، وإخراج المعتقلين لدى كافة الأطراف المتصارعة.

حزب سوريا المستقبل
الرقة
17 نيسان 2021