حسين عمر يكتب: ترامب بوتين اردوغان.. تجاذب وتشارك!

1٬635

يتسارع مخطط الاستيطان في المناطق المحتلة من الشمال السوري، عشرات العوائل التي قبلت بأن تستوطن دار وأرض الكردي الذي تم قتله أو تهجيره من قبل الجيش التركي على المساحة الممتدة من عفرين وحتى سري كانيه (رأس العين ).
في رحلة تتجه من داخل الأراضي التركية لتصل بهم إلى الجنة التي وعدهم بها أردوغان، (الجنة) التي تجري فيها أنهار من الدم، أراقها العدوان الهمجي التركي مع مرتزقته السوريين، لتأخذ مساكن وأراضي الأمهات الثكلى والأطفال الذين دفنوا تحت أنقاض البيوت المدمرة وصراخ المسنين الذين لم يستطيعوا الهروب من قنابل تساقطت عليهم من البر والجو، في عملية تغيير ديمغرافي واضحة؛ لقطع أوصال الأهل والأقرباء الذين يعيشون على طرفي الحدود السورية التركية المرسومة بينهم بعد الحرب العالمية الأولى، وإنهاء الوجود الكردي فيها، الوجود الذي يمتد جذوره آلاف السنوات عبر التاريخ.
لا غرابة في ذلك إذا عدنا قليلا إلى الوراء، وبحثنا في تاريخ المنطقة التي تعرضت لعمليات مشابهة منذ ما سمي بالاستقلال، وحتى الآن.
حاولت الحكومات السورية منذ الوحدة مع مصر وإلى وقتنا الحالي دفع الكرد للهجرة، وتفريغ المنطقة منهم، وتسارعت الخطط مع استيلاء حزب البعث على السلطة، حين استولى على الأراضي الزراعية لعشرات الآلاف من العوائل الكردية تحت عنوان الإصلاح الزراعي، الذي كان أحد أهدافه الأساسية دفع تلك العوائل الى ترك المنطقة، والبحث عن مورد للعيش في مناطق أخرى.
ظهر المخطط جليا ابتداء من عام 1973، عندما بدأ توطين الآلاف من العوائل الذين تم جلبهم من محافظة حلب والرقة، وزرعهم في المنطقة المسماة بخط العشرة، الممتدة من عين ديوار على نهر دجلة وصولا إلى سري كانيه “رأس العين”، في عملية تغيير ديمغرافي واضحة المعالم، أدت إلى هجرة عدد كبير من العوائل الكردية الى المدن السورية الأخرى، بحثا عن لقمة العيش بعد أن تم مصادرة “الاستيلاء” على أراضيهم الزراعية، لكن هذه العملية لم تنجح في إفراغ المنطقة من الغالبية الكردية، كما كان مخطط لها من قبل حزب البعث، بالرغم من قلة فرص العمل والظروف المعيشية الصعبة للكرد فيها، لكنهم حافظوا على بقائهم فيها، مما أفشل جزئياً مخطط القوى العنصرية في هرم السلطة السورية.
مع بدء الثورة السورية تأملت العوائل المتضررة من المخططات المذكورة آنفا، في عودة الحق إلى أصحابه، من خلال إعادة الحقوق والأراضي المغتصبة، ولهذا شاركت بفعالية في تعزيز تحرير المنطقة ومن ثم حمايتها من خلال وحدات حماية الشعب والمرأة ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية، القوة التي قضت على تنظيم داعش، وعلى ما سمي بدولة الخلافة.
لكن هذا الأمر لم يرق للقوى الشوفينية العنصرية العربية والتركية، وتحولت الثورة الى أداة في يد تركيا لتضرب مكتسبات سوريا عامة، وشمال شرقها خاصة، من خلال هجمات مستمرة بدأت في 2012 في تل أبيض “كرى سبي” وبعدها سري كانية “رأس العين”، واستمرت إلى احتلال جرابلس واعزاز ومن ثم عفرين وكري سبي, وسري كانيه.
وبدأت قوات الاحتلال التركي مع مرتزقة سوريين، بتغيير ديمغرافية المنطقة المذكورة، وتدمير أوابدها التاريخية، وفرض اللغة والثقافة التركية، وتوطين عوائل المرتزقة والمهجرين، الذين جُلبوا من المناطق التي كانت “محررة” في الغوطة وغيرها، والتي سلمت للنظام السوري، من أجل الحصول على سكوته وموافقته على الخطط الإجرامية التركية التي يتم تنفيذها في الشمال السوري.
والغريب هنا، أن يعتبر من هُجّر من داره في حمص ودمشق ودرعا وحلب وبقية المناطق التي خضعت لـ”المصالحات” له الحق المشروع في استيطان دار وأرض وتاريخ من تم تهجيرهم عنوة في عفرين وفي سري كانيه وكرى سبي.
الاستيطان السوري الجديد اليوم، يندفع بالتغني بعطايا أردوغان، الذي دفعه الى الهجرة عن أرضه وداره في الجنوب، لتحقيق أهداف الميثاق الملي التركي، عبر القضاء على السكان الأصليين للمنطقة، وتهجيرهم، وقتل من يعترض، أو خنقه أو التنكيل به في السجون.
بالعودة الى الأهداف التركية في سوريا، فقد تم تنفيذها بأدوات سورية، ورضى ودعم أمريكي وروسي، من خلال انسحاب الطرفين من مناطق تمركزهما، وترك قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة القوة الثانية في حلف الناتو، والمعززة بعشرات آلاف المرتزقة السوريين الإرهابيين.
هل حقق أردوغان أهدافه؟
فتح ترامب لصديقيه بوتين وأردوغان المجال لتحقيق أهدافهما في سوريا، هذه حقيقة لا جدال فيها.
فقد رسخ بوتين نفوذه في سوريا المفيدة، ورسخ أردوغان احتلاله للشمال، وفي المناطق الكردية.
بقي خلاف بسيط بين الشريكين الروسي والتركي وهو الاتفاق على حصص البترول.
أردوغان يطالب بوتين بعد سيطرة الأخير على كامل الاقتصاد والسياسة السورية بحصة من عائدات البترول لاستكمال الاستيطان وسلخ كامل الشمال وشمال شرق- إذا استطاع السيطرة عليه كاملاً.
روسيا مترددة في الموافقة على طلب أردوغان، لسببين:
الأول بسبب وجود صعوبات كبيرة في أن تستطيع فرض سيطرتها على كامل شمال شرقي سوريا، بسبب وجود قوة نظامية مقاتلة، ولا ترغب في خلق عداء معها في الظرف الحالي.
والسبب الآخر عدم ثقة بوتين بالإدارة الأمريكية في موضوع الانسحاب من مناطق الإدارة الذاتية.
ومع زيادة وتيرة الاستيطان، والتغيير الديمغرافي في المناطق المحتلة، يلفّ الغموض مصير المنطقة ككل بسبب التجاذبات الروسية الأمريكية فيها، وافتقار الجانب الأمريكي لخطط واضحة ترتبط بمستقبل تواجده.
يحاول بوتين إقناع صديقه ترامب بالانسحاب الفوري، خاصة أن عين أردوغان تنصبّ على المناطق التي مازالت القوات الأمريكية منتشرة فيها، من رميلان وحتى ما قبل الشدادي، لأنه يعتبر أن المناطق الممتدة بعد ذلك، تخص الحصّة الروسية.
إذا تحقق لأردوغان ذلك، فإن الخط الممتد الى الموصل وكركوك وكامل إقليم كردستان العراق، والمنصوص عليه في الميثاق الملّي، يصبح في متناول اليد، مع وجود أكثر من 20 قاعدة عسكرية موزعة في مناطق متفرقة من باشور.
عن قناة اليوم