إبراهيم القفطان يكتب :تصحر الحوار السياسي!

1٬242
تروّج بعض الأطراف السياسية أن هناك حالة وطنية تعتريهم ويفتقدها غيرهم ليحدثوك عن الوطن والمواطن والحفاظ على وحدة التراب. وفي الحقيقة لا صحة لهذه المزاعم، بل نأمل أن تكون هناك هذه الحالة الوطنية وأن تكون حقيقة وليست ادعاء مزيفاً؛ يتم ترديده كتعويض الإنسان مقابل انسحاقه للوهم، بالرغم من أن بعض التيارات منحت بالفعل هذه الحالة الوطنية الأخلاقية، أما الأطراف التي تتشدق بأنها وطنية المنشأ والمحتكرة لفكرة الوحدة العربية أو فكرة الدين الواحد؛ فيقيناً لم ترتقِ لمعتنقيها؛ كونها أصبحت أيديولوجية غير معتنية بهذا الأمر، حيث تحولت إلى مشاريع سياسية وعسكرية اقتربت من هوية وانتماء لا يستطيع أن يحلق بهما في سماء المواطنة ولا يمتلك جناحين ولا فضاء يحلق به، فالثقافة التي تمتلكها الأطراف السياسية كافة هي في جوهرها ثقافة التصحر الحواري وعدم القبول وليست سعة القبول لاستقبال أي طرف؛ مما تحولت إلى الثقافة الباعثة للتخلّف والجمود الإنساني والتصحر الوطني ولم تعد تجدي نفعاً مع الإنسان الحديث لتصيبه بالشلل والجمود والبلادة؛ وهذا يرجع في الأساس لكونها ثقافة دوغمائية لا تسمح ولا تقبل بوجود ثقافات أخرى، فهي ترتعد خوفاً من أن تضع مفرداتها على المحك وطاولة الحوار، بل تطلب التحصن والتفرد والتعنت. لذا؛ فهي لا تكتفي بتسلطها وتعنتها، بل تمارس دور الإقصاء للآخر ولأي فكر مغاير. ومن هنا يصبح الإنسان أسير أطروحاتها نابذاً أي فكر مغاير ليأتي الانغلاق والتعصب والجمود والبلادة الفكرية، لا تكتفي الثقافة القومية أو الدينية بفرض الانغلاق والجمود الفكري، إنما تُمارس دوراً تخريبياً للحالة الوطنية والوجدانية والأخلاقية للإنسان والمجتمع والوطن بالرغم من زعمها أنها جاءت من أجل الإنسان وبناء الحريات الثقافية والوطنية. لذلك؛ علينا فضح حالة التصحر والتبلد الإنساني لنتخلص من السطحية والنمطية والعجز والتقولب ضمن برنامج أو مشروع مركزي أو اقصائي. إن المجتمعات تتقدم وترتقى وتتطور بمشاريعها وتتخلف وتنحدر وتتهاوى بعصبيتها. لذا؛ كلما توسعت مساحة الحرية والديمقراطية واللامركزية؛ كان الوطن والمواطن حراً قوياً جريئاً قادراً على اقتحام الأفكار والمشاريع وإثارتها وإثرائها ونقدها وتحليلها بشجاعة وثقة، وحظينا بإنسان قادر على الإبداع والتطور, بينما المواطن الذى يظل خائفاً مرتجفاً من الخوض فيما يطرح عليه من أفكار ليستسلم لها؛ فلا يقدم شيئاً سوى اجترار ما يعبأ به عقله وبالتالي يصبح مواطناً متجمداً مشلولاً ينتج التخلف بغزارة.
ولنتحدث عن المشاريع التي تحول أي حوار بناء إلى حالة من التصحر وهذه المشاريع هي المشاريع الدينية والقومية.
 المشاريع الدينية والدين السياسي ولا أريد أن أذكر الإسلام السياسي، بل علينا أن نفصل الدين بكل أشكاله عن الدولة؛ لأنها وصلت لحالة من الشلل والجمود والقولبة، بل تجاوزت هذه المرحلة لتتماهى في تخلفها؛ مما أنتج نفسية ضعيفة مهترئة مهزومة تعيش الفوبيا وترضع من نهج العبودية والوصاية ولم تحظَ بموعد فطامها بعد.
المشاريع القومية زراعة للتصحر والكراهية وأنا لست هنا بصدد استنكار وتقبيح هذه المشاريع. ولكني؛ أتناول هذا المشهد من زاوية أخرى وهى حالة الشلل الفكري والوجداني لشعوب الشرق أوسطية؛ ليصل بها الحال أن تتماهى لتنصرف عن بديهيات التعامل الإنساني, وتنتظر الإجابة ممن يفتيها عن علاقة إنسانية مع الآخر.
وبالرغم من كل ما يحيط بالمنطقة من تشظي وتشرذم وتقسيم؛ نأمل أن تكون المرحلة القادمة في عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع

منقول من صحيفة روناهي