طالب إبراهيم يكتب: الأسد في صحة جيدة!

1٬604

في بداية مقابلته مع الرئيس السوري يقول الصحفي الروسي يفغيني بريماكوف: “.. أراكم في صحة جيدة، رغم ما تمر به سوريا اليوم..”.
بدت عبارته، التي بدأ فيها مقابلته، كأنها إهانة، تهمة يوجهها الصحفي الروسي للأسد، مفادها، شعبكم يُقتل ويجوع وأنتم في صحة جيدة.. ولا ينسى مفردة الطاعة، “سيدي الرئيس”، في برنامجه “الاستعراض الدولي”، على قناة روسيا 24.
رحّب الأسد بضيفه، وردّ بأنه سعيد لاستقباله، باعتباره ممثل القناة الوطنية. مفهوم الوطن يتماثل بين بوتين والأسد، ويتداخل مع مفهوم السلطة. السلطة هي الوطن، والوطن هو السلطة. مع فرق الاختلاف بين القيصر بوتين صانع روسيا اليوم، روسيا قيصرية بحدود ضيقة، بعد سلسلة الانهيارات التي رافقت سقوط الاتحاد السوفياتي، وسقوط الجيش والمخابرات والاقتصاد. وبين الأسد، رئيس الانهيارات السورية المتلاحقة، منذ تعيينه رئيساً. رئيس انهيارات الجيش والمخابرات والشعب والاقتصاد والوطن والسلطة.
في المقابلة، أطلق الاسد على اردوغان تهمة الاخوانية، والتي تعني حسب الأسد، بعديمي الأخلاق السياسية والاجتماعية والدينية. ولأنه “أي الأسد” التقى بشخصيات اخوانية من مصر ومن فلسطين، فقد وجد أنهم ينتمون إلى ذات البنية عديمة الأخلاق.
لكنه لا يمانع بعودة العلاقات التركية السورية، إذا تخلى اردوغان عن دعم الإرهاب. كما جاء في المقابلة ذاتها.
ومهد الطريق لعودة تلك العلاقات، أكثر من مرة، واحدة منها كانت، عندما التقى علي مملوك رئيس الأمن الوطني، والشخصية المخابراتية الأساسية، وعمود النظام السوري، مع فيدان حقان، رئيس المخابرات التركي، تحت ظلال الوسيط الروسي في موسكو.
اختلف الأمنيان على نقاط كثيرة، لكنهما اتفقا على القضية الكردية، في مسار تخدم استراتيجية اردوغان “الاخوانية”، واستراتيجية الأسد السلطوية.
ومهد الأسد الطريق من جديد، عندما تحدث أيضاً عن القضية الكردية، قبل توقيع تفاهم روسي تركي جديد، حول سوريا. تقرر فيه الدولتان المعتديتان، الآليات والأهداف لكل ما يتعلق بإدلب السورية ظاهرياً، وغيرها من المناطق باطنياً، بغياب الأسد أو وزير خارجيته أو داخليته أو إعلامه أو حاجبه.
ابتسم الاسد وهو يتحدث عن الكورد في سوريا، الرسالة التي يتشدق اردوغان ودولته العميقة لسماعها، الكورد باعتبارهم ليسوا سوريين، ويحق لاردوغان كما يحق للأسد بتهجيرهم وتطهير أراضيهم، وزرع من يعتبرونه سوريين، حتى لو كانوا من الايغور والتركستان والأفغان، إذا كان ذلك يفتح بوابة لعبور العلاقات السورية التركية إلى بر تلك الأخلاق السياسية والاجتماعية والدينية التي تحدث عنها.
ابتسامة الاسد، وهو يتحدث عن الكورد، هذا التفصيل الرئيسي من سوريا، توحي بالكثير. لعل أهم ما توحيه هو قدرته على التخلي عن أي شيء، وكل شيء، لقاء كرسي الرئاسة المقيد بالقرار الروسي.
ليس جديداً القول، إن الأسد لا يمثل اليوم القرار السوري، ولا السلطة السورية إلا في الشكل، لأن سوريا السلطة، أو سوريا الوطن اليوم مرهونة بقرار الروسي بوتين.
والروسي يفاوض على النفوذ السوري والدم السوري، كما يفوض على الأرض السورية، هذه المساحة الجغرافية الباهتة، المفتوحة على كل المناقصات، التي تخدم المصلحة الروسية أولاً، حتى لو مسح مساحات هنا، وشعوب هناك.
مناطق شمال وشرق سوريا اليوم، محفوفة بخطر المناقصات الروسية التركية، والتوازنات الإقليمية، والتفاهمات المخفية.
خطر ملاعب القدم الروسية التركية من جهة، والتركية الأمريكية من جهة أخرى، ولاحقاً الروسية الأمريكية. أما النظام السوري بما يمثله من سلطة أو وطن أو قرار أو أخلاق سياسية واجتماعية ودينية، فهم يراقب من بعيد على خط التماس.