طالب إبراهيم يكتب: خاشقجي المعارض وخاشقجي النظام!

989

عادت إلى الإعلام، قضية مقتل الصحفي، وموظف الأمن السعودي جمال خاشقجي، بعد إصدار النيابة العامة لسعودية، أحكاماً بحق المتهمين بقتله في السفارة السعودية في تركيا.
وعادت من جديد، حاجة السلطة في تركيا إلى استثمار القضية إلى أقصى درجاتها، بعد شعورها بأن المجتمع الدولي، ومؤسساته الإعلامية والحقوقية، لم تقم بواجبها كما تقتضي المصلحة التركية، ولم تحاسب من تريد السلطة التركية محاسبتهم.
قال الرئيس التركي اردوغان، إن قضية جمال خاشقجي لن تختفي، ولن نسمح بأن تكون قضية يتم مسرحتها، ويجب أن نعمل لنعرف من المسؤول الحقيقي عن أمر القتل، وليس فقط من نفذ.
في محاولة منه، لابتزاز خصومه وأعدائه، تحديداً منهم السعوديين، وهو المتهم بارتكاب جرائم وانتهاكات في الداخل التركي ضد خصومه من الصحفيين والأكاديميين والسياسيين، وفي خارج تركيا ضد حلفائه وخصومه على حد سواء.
بعد أن ثبّت اردوغان مصادر سلطته السياسية والحزبية، ومصادر ثروته، وثروة أسرته ومريديه وأعوانه، تحدث في الفترة الأولى، عن وجود طرف ثالث في عملية قتل الخاشقجي، هو رجل الدين المعارض فتح الله غولن.
كان يريد من وراء ذلك تصفية حسابات مع شريكه وتوأمه الاسلامي والسياسي غولن، والذي كان سبباً أساسياً في صعود اردوغان سلم الحكم في الدولة العميقة التركية، وكان الكابوس الحقيقي لاردوغان لما لديه من سطوة وقوة ونفوذ داخل تركيا وخارجها.
إن عملية قتل الخاشقجي، عملية مدانة حتماً، ولا تحتمل أي تأويل آخر، لكن يجب الحديث عن مسائل أخرى، تقود حتماً لفهم دوافع محاولات خطفه، ومن ثم قتله، بغض النظر إن كان القتل، نتيجة خطأ المنفذين، أو تنفيذاً لأوامر قتله.
كان الخاشقجي مستشار إعلامي للأمير تركي الفيصل، السفير السعودي في لندن وقبلها في واشنطن، والذي كان مديراً للمخابرات السعودية، والذي اختار أعضاء فريقه السياسي والإعلامي بعناية شديدة، وكان الخاشقجي أحدهم.
وكان مستشاراً ومنظراً لجيل كامل من الأمراء السعوديين. قبل أن يستلم مناصب صحفية وإعلامية عدة في السعودية، السعودية التي لا يمكن أن تسمح إلا لمن كان من داخل مؤسستها الأمنية والسياسية أن يستلمها.
وكان مفوّضاً عن الأمن السعودي، في مفاوضاته مع المعارضين السعوديين الذين ينتمون إلى الطائفة الشيعية. وكان لديه لحية كثيفة وطويلة، تعادل لحية أسامة بن لادن، حين كان في أفغانستان يغطي الأحداث الهامة في فترة الحرب الباردة، حين أرسلته السعودية إلى هناك كمراسل ومفاوض ورجل أمن.
ثم فجأة يغادر الخاشقجي بلاده، بعد أن ارتدى “زينة الليبرالية”، تاركاً خلفه تاريخاً حافلاً بالنشاط والعلاقات، ليرتدي الوشاح التركي القطري، تحت عنوان عريض جديد له، هو حرية الرأي والدفاع عن أصحاب الرأي، وكشف العيوب في السياسة السعودية، وانتقاد السعودية في الداخل والخارج وفق الهوى الأخواني، وداخل منظومة العمل التركية القطرية. ينتقد السعودية التي تحاول أن تخرج رويداً رويداً من تاريخها المتشدد والمحافظ والمظلم إلى بقعة من الضوء.
لم يكن الخاشقجي صحفياً مهنياً، يهتم بنشر الحقيقة التي يعرفها عن السعودية، كما وصفته الكثير من الصحف ووكالات الأنباء العالمية. بل كان ابن المؤسسة الأمنية السعودية، وانشق عنها، ليؤجر سمعته وتاريخه، وسلسلة طويلة من علاقاته داخل السلك الأمني والسياسي السعودي إلى أعداء السعودية القطريين والأتراك، وتصفيته تأتي ضمن سياق تصفية من يخون أمانة الجهة التي رعته، ومنحته سلطة وقوة وسطوة، وهو حساب يأتي ضمن سياق سلوك أنظمة وحكومات “شرعية” وصفت عبر التاريخ بالمتشددة، ويقارب سلوك تيارات سياسية وعسكرية “شرعية ثورية”، اعتمدته أيضاً لمحاسبة من كانت تصفهم بالخونة.
يحاول اردوغان استثمار مقتل الخاشقجي، وينسى أنه المسؤول الأول عن كل الانتهاكات والجرائم، التي يقوم بها جنوده ومرتزقته في سوريا خصوصاً، وفي الإقليم عموماً، والتي مازال المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والإعلامية غافلين عنها.

#حزب_سوريا_المستقبل

#مقال_رأي