معهد بروكينغز: ما نتعلمه من غارات إسرائيل في سوريا!

1٬812

بعد ظهرِ يوم الأربعاء، أُصيبَ مستودعٌ للذخيرة الإيرانية في مدينة “البوكمال” في غارة جوية على سوريا. وذكرت وزارةُ الخارجية الروسية أنّ هذا الهجومَ يأتي بعد أن شنت إسرائيلُ أربعَ ضربات جوية في سوريا بين 12 نوفمبر و 20 نوفمبر. وفي حين أفادت الأنباءُ أن إسرائيلَ نفذت آلافَ الضربات في سوريا والعراق المجاورة في السنوات الأخيرة. الآن وتيرةُ هذه الهجمات الأخيرة وشدتها وحصيلتها لم يسبق لها مثيل. ويمثلُ الشهرُ الماضي ذروةَ الحرب الإسرائيلية ضدّ وجود إيران في سوريا. واستهدفت الغاراتُ الجوية منظوماتِ دفاعٍ جوي متطورة، وصواريخَ أرض-جو، ومواقعَ استطلاع، ومستودعاتٍ، من بين أهداف أخرى. وعلى وجه الخصوص، فإنّ الهجماتِ التي نفذت في وقتٍ متأخر من ليلة 20 نوفمبر/تشرين الثاني ضربت “البيت الزجاجي”- الكنية التي أعطيت لمقر قوة القدس الإيرانية في سوريا في مطار دمشق الدولي-. إن اختيارَ هذا الهدف، وهو رمزٌ هام لوجود إيران ونقطة توقّف منتظمة لكبار الشخصيات الإيرانية في سوريا، يسلطُ الضوءَ على هذا التحوّل في السياسة الأمنية الإسرائيلية. ثمةَ بضعة أسباب لهذا التحول. أولا، لقد جاءت إسرائيل لترى أن إيرانَ لا تتخلى عن مشروعها في سوريا، وقد تواصلُ السعيَ لإيجاد وسائلَ أكثر تطوراً لتهديد الحدود الشمالية لإسرائيل. إن تقريرَ هذا الأسبوع الذي يفيد بأن إيرانَ تنقل الصواريخَ إلى العراق لا يعززُ هذا التصور. بالإضافة إلى ذلك، كانت إيرانُ جريئةً بما فيه الكفاية، ليس فقط لبناء قواتها هناك، ولكن لنشرها بإطلاق أربعة صواريخ على أهداف مدنية في إسرائيل. بالنسبة لإسرائيل، هذا يعتبر خطاً أحمر. وما فتئت إسرائيلُ تشنّ حملة بين الحربين منذ 2013 لمنع إيرانَ ووكلاءها، بمن فيهم حزب الله، من الحصول على أسلحه متطورة لاستخدامها ضدّ الدولة اليهودية ومن ترسيخ أنفسهم في سوريا. وللهجمات ثلاثةُ أهداف رئيسيه. الأولان بسيطان، في حين أن الهدفَ النهائي يتطلبُ مزيداً من الدراسة. الهدفُ الأول: تقليلُ القدرات الإيرانية التي يتم شحنها إلى حزب الله والمليشيات الإيرانية الأخرى التي تعمل على فتح جبهة عسكرية منخفضه الكثافة تهددُ الحدودَ الشمالية لإسرائيل. الهدفُ الثاني: الحفاظُ على حريه إسرائيل في العمل والتفوق الجوي في منطقتها والشرق الأوسط بشكل عام، من خلال تقليل القدرات العسكرية السورية، وتحديداً مواقع الصواريخ المضادة للطائرات وأنظمة دعمها. والهدفُ الثالث: إرسالُ رسالةِ ردع إلى ثلاثة فاعلين رئيسيين في المنطقة: نظام الأسد، وإيران ومبعوثيها، وروسيا. الرسالة إلى سوريا ومن بين الثلاثة، فإن الرسالةَ إلى الأسد هي الأكثرُ اتساقاً ووضوحا. فتكلفةُ علاقة الأسد بإيرانَ ستفوق الفوائد. منذ بداية الحملة بين الحروب، كانت إسرائيلُ “تعاقب” النظام السوري على السماح للقوات والوكلاء الإيرانيين بتعزيز مواقعهم في سوريا، والتي يمكنهم من خلالها ضرب إسرائيل. وقد أكدت هجماتُ تشرين الثاني/نوفمبر هذه الرسالة. وكانت إسرائيلُ قد استهدفت في السابق القواعدَ والقدراتِ العسكرية السورية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، رفعت القائمة المستهدفة لتشملَ أيضاً رموزاً وأصولاً للنظام السوري. وبهذه الطريقة، كان التهديدُ الذي يتعرض له الأسدُ ملموساً ومباشرا. من ناحيةٍ أخرى، الغاراتُ الجوية تُضعف قدراتِ الجيش السوري، وتصرفُ قدراتِ الأسد عن التعامل مع قوات المعارضة- داعش، وتنظيم القاعدة في شمال وشرق سوريا- ، وتُبقي هذا البلدَ الذي مزقته الحرب في حالةٍ من عدم الاستقرار الاقتصادي الخطير. وخلال الغارات التي شُنت في تشرين الثاني/نوفمبر، استهدفت إسرائيلُ أيضاً قدراتٍ دفاعيه جوية كبيرة، وخاصة صواريخَ أرض-جو، التي تهدد الهيمنة الاستراتيجية لإسرائيل على المجال الجوي اللبناني والسوري. إن تدميرَ هذه القدرات، التي تم شراؤها في الغالب من روسيا، يثقل كاهلَ الميزانية السورية، ويضعف قدرةَ سوريا على الدفاع عن نفسها، ويضر بهيبتها. بالإضافة إلى ذلك، تضربت إسرائيلُ بشده أيَّ بؤرة استيطانية تنشرُ قواتِ المليشيات الإيرانية على الحدود الإسرائيلية أو بالقرب منها. استهدف هجومُ 12 تشرين الثاني/نوفمبر منزلَ نائب زعيم الجهاد الإسلامي “أكرم العجوري” في حيّ المزة بدمشق. ولم يصب العجوري- المسؤول عن التنسيق بين غزة وسوريا- بالأذى، بينما قُتل ابنه وشخصٌ آخر، وأصيب 10 أشخاص آخرين. ومن المرجح أن يكون هذا الهجومُ، إذا كان من فعل إسرائيل، قد سعى إلى زيادة التوتر بين الأسد وجماعات المعارضة الفلسطينية الناشطة العاملة في سوريا وغزة. الرسالة إلى موسكو وتدخلت موسكو في النزاع السوري في أيلول/سبتمبر 2015 إلى جانب الأسد، ونسقت إسرائيلُ وروسيا أنشطتهما في المجال الجوي السوري لتجنبِ أيّ صراعٍ غير مرغوب فيه. وقد سعت روسيا إلى جعل سوريا كاملة من جديد في ظلّ نظام الأسد، والى تحقيق الاستقرار في البلاد حسب رأيها، واجتثاث القوى المعارضة المتبقية التي تعارضُ حكمَ الأسد. وقد بعثتِ الغاراتُ الإسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني رسالةً واضحة إلى موسكو، مفادها أنه ما لم يتم إخراج العنصر الإيراني من المعادلة، ستظلّ سوريا ساحةَ معركةٍ غير مستقرة. وتذكّرُ الغاراتُ أيضاً بالتزام روسيا تجاهَ إسرائيلَ بإبقاء قوات القدس الإيرانية خارج دائرةٍ نصف قطرها 50 ميلاً من الحدود الإسرائيلية. وتؤكد هذه الغاراتُ أنه إذا لم يستطعِ الروسُ التمسكَ بجانبهم من هذا الفهم، فإن إسرائيلَ ستعيثُ فساداً في سوريا. ويسعى بوتين إلى الحلّ السياسي والاستقرار في سوريا، ويدرك الروسُ أن سوريا ليس لديها أيّ فرصه للتعافي من حربها الأهلية وسطَ الاحتكاك المستمر بين إسرائيلَ وإيران. الرسالة إلى إيران وكان الهجومُ الذي وقع في 20 تشرين الثاني/نوفمبر أكثرَ الهجمات كثافة ومغزى من الأربعة في تشرين الثاني/نوفمبر. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الغاراتِ الجوية الإسرائيلية قتلت 23 شخصاً، من بينهم 16 إيرانياً على الأرجح. وقد نُفذ الهجوم رداً على أربعه صواريخ قالت قوات الدفاع الإسرائيلية أنها أطلقتها قوة إيرانية عميلة من سوريا باتجاه شمال إسرائيل. وقد أُطلقت جميعُ الصواريخ الأربعة من مسافة 50 كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية، واعترضتها منظومة القبة الحديدية الدفاعية الصاروخية، ولم تسفر عن أيّ أضرارٍ أو إصابات. وقد أرسل ذلك الهجومُ إشارةً واضحة إلى قاسم سليماني، رئيس قوات القدس، بأن إسرائيلَ لن تتسامح مع مثل هذا التعدي الحادّ على سيادتها. وأكد أن إسرائيلَ لن تتراجع عن الحملة الكاملة، حتى الحرب، إذا كانت إيران تسعى لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تهديد الحدود الشمالية لإسرائيل من سوريا والعراق. وفي الوقت الذي كانت فيه المبادلاتُ الجارية المستمرة تضرب الأهدافَ العسكرية في الغالب، فإن إسرائيلَ “خلعت القفازات في هذه الحالة”. وعلى الرغم من أن الغاراتِ السابقة أضرت في معظمها بالمباني والبنية التحتية، فقد توقعت إسرائيلُ أن تلحقَ هذه الغارة بالضحايا الإيرانيين، مما يزيد من مخاطر الصراع. وكان الهدفُ من الرسالة أيضاً أن يترددَ صداها في مقرّ المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي. وبما أن إيرانَ تواجه اضطرابات في الداخل-ووسط مظاهرات شعبية كبيره في العراق- فإن إسرائيلَ مستعدةٌ لمضاهاة أو حتى تجاوز التحركات العدوانية الإيرانية. بالنسبة لخامنئي، فإن احتمالاتِ الاستثمارات الكبيرة التي يجري تدميرها مراراً وتكرارا في سوريا قد تكون صعبةً، سياسياً، حيث إن اقتصاده المحلي يهبط. والتناقض بين هذه الغارات الأخيرة، التي قيل إنها قتلت 16 إيرانياً، والافتقار النسبي لرد فعل إيراني، يسلط الضوءَ على أنه من الصعب على إيران أن تردّ بشكل نوعي على التصعيدات الإسرائيلية. وتسعى هذه الإضراباتُ مجتمعة إلى إقناع خامنئي وسليماني، وهو الأخير الذي يحكم عليه واضعو السياسات الإسرائيليون بالميل نحو تفسير استراتيجيات طهران بشكل أكثر عدوانيه، بضرورة كبح جماح طموحات إيران في سوريا. الثغرات المحتملة في الاستراتيجية ومن المرجح أن تكون الاستراتيجيةُ التي تنتهجها إسرائيلُ تجاه إيرانَ ووكلائها في سوريا أفضلَ خياراتها المتاحة لمعارضه مشروع إيران في سوريا. ومع ذلك، وفيما يتعلقُ بكل هدفٍ من أهدافها الثلاث في سوريا، تتضمن الاستراتيجيةُ الإسرائيلية ثغراتٍ هامة. أولاً، بما أن إسرائيلَ تعمل على تقليص القدرات العسكرية للدولة السورية، فإنها تخاطرُ بمجرد دفع نظام الأسد إلى الاعتماد على إيران بشكل أعمق. ولدى الأسد بدائلُ قليلة لطهران في سعيها للحصول على دعم خارجي لاستمرار بقائها. وكلما زادت إسرائيلُ من ضرب المواقع العسكرية السورية، زادت هذه التبعية. بالنسبة لإسرائيل، قد تأتي القوةُ العسكرية السورية المهينة في سوريا على حساب السماح لإيران بدورٍ أكثر مركزية. ثانياً، إن المنطقَ الذي تقوم عليه الرسائلُ الإسرائيلية إلى روسيا قد يسيء فهمَ الحوافز التي تمنحها موسكو في سوريا. ومن خلال الأهداف الإيرانية الصارخة في سوريا، وخاصة تلك التي تقع بالقرب من حدودها. تأمل إسرائيلُ في الضغط على روسيا للقيام بالمزيد لاحتواء إيرانَ ووكلاءها في البلاد. لكن في حين أن روسيا كانت سريعةً في انتقاد إسرائيل لضرباتها في سوريا، فإنها قد تفضل بهدوء رؤيةَ إسرائيل تقوم بالعمل القذر المتمثل في تقليل القوة الإيرانية هناك. وفي حين أنهم شركاء في دعم نظام الأسد، فإن الروسَ والإيرانيين في بعض النواحي هم منافسون في سوريا، وخاصة عندما يتطلعون إلى إعادة بناء الدولة. وإذا دفعت الضربات الإسرائيلية الإيرانيين إلى القيام بدور أقلّ، فإن الروسَ سيكونون أولَ من يملأ الفراغ الذي سيتركونه. وعلاوة على ذلك، فإن الضرباتِ الإسرائيلية في المنشآت العسكرية السورية تخلق فرصاً تجارية لصناعه الأسلحة الروسية. سيحتاج النظام السوري إلى استبدال منظومات أسلحته المدمرة، ويقف المصنعون الروسُ على أهبة الاستعداد لتوريد أسلحة جديدة. وروسيا، وإن كانت تعارض علناً الضرباتِ الإسرائيلية، فإنها قد تستفيد فعلاً من سياسة التدخل تجاه هذه الهجمات. وأخيراً، وفيما يتعلق بإيران، تأمل إسرائيلُ في أن تدفع هجماتها طهرانَ إلى التخلي عن مشروعها في سوريا. ولكن إيرانَ لم تبدِ أي استعداد حتى الآن للنظر في هذا الأمر. وبدلاً من ذلك، عملت ببساطة على جعل شحنات أسلحتها أكثرَ صعوبة في الكشف عنها. وتتطلب حملةُ البحث والتدمير قدراتٍ استخباراتية ممتازة من جانب إسرائيل للكشف عن الشحنات السرية المرسلة جواً أو برا إلى سوريا عبر العراق. كما أنّ المعلوماتِ الاستخبارية الدقيقة ضروريةٌ للسماح للإضراب الجوي بأن يكون فعالاً وللتقليل إلى أدني حد من الأضرار والإصابات الجانبية. وهذا يشكل تحدياً كبيرا لإسرائيل لأنّ إيرانَ ونظراءها السوريين يستطيعون في الوقت المناسب العثورَ على طرقٍ إبداعية جديدة لإخفاء سلسله التوريد الخاصة بهم إلى سوريا وتجنب الكشف عنها. وعلاوة على ذلك، ومع عمل إسرائيل على صدّ الوكلاء الإيرانيين من مواقع قريبة من حدودها الشمالية، فإن نجاحاتها تخلق تعقيداتٍ إضافية. عندما تقترب المعركةُ بين إيرانَ وإسرائيل في سوريا من الحدود العراقية، تصبح الضرباتُ الجوية الإسرائيلية أكثرَ خطورة، وتصبح قدراتُ المخابرات الإيرانية أقوى، وتصبح قدرةُ إيران على إنكار المسؤولية عن إطلاق الصواريخ أكبرَ. وأخيراً، لا يمكن ردعُ إيران حقاً بالتهديدات التي تهدد سلامةَ الدولة السورية، لأنها تعتبر نظامَ الأسد سبيلاً مفيداً يمكنها من خلاله زيادة قوتها الإقليمية. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يراهنَ الإيرانيون بأن إسرائيلَ سترتكب عاجلاً أم آجلا خطأ، وأن إحدى ضرباتها ستسببُ خسائرَ أو أضراراً للمرافق الروسية في سوريا. ويعتبرُ إسقاطُ طائرة عسكرية روسية من قبل الدفاعات الجوية السورية في أيلول/سبتمبر 2018 في أعقاب ضربة إسرائيلية مرجعاً هاما. وقد أثارت هذه الحادثة، التي لم تضرب فيها القوات الإسرائيلية بشكل مباشر نظراءها الروس، رداً دبلوماسياً خطيرا من موسكو. على الرغم من أن آليةَ إزالة النزاعات قد تجنبت الصراع منذ ذلك الحين، إلا أنها ليست مضمونة، وأن الضربةَ الإسرائيلية المباشرة على المواقع أو الأفراد الروس ستكون وخيمةً على التنسيق الإسرائيلي-الروسي في سوريا. الإيرانيون يلعبون الصعاب، ويحسبون أن عاجلاً أم آجلا، سيحدث مثل هذا الضرب. الختام الحملةُ الإسرائيلية بين الحروب تنعقدُ الآن في العذاب. بالنظر إلى الثغرات التي تشوب رسائلها الاستراتيجية، فإن الردعَ الإسرائيلي، في حد ذاته، من المرجح ألا يسفرَ عن الانسحاب الإيراني الكامل الذي تأمل إسرائيل أن تقوم به. وربما كانت الضغوطُ التي تواجه إيران بسبب المظاهرات في الداخل والعراق هي الدافعُ الأكثر ملاءمةً لطهران لإعادة النظر في استراتيجيتها. وأفضل ما يمكن أن تفعله إسرائيلُ، في الوقت الراهن، هو العذاب، بينما تأمل في أن تؤدي التطوراتُ الأوسع نطاقاً في المنطقة إلى تحقيق شيءٍ أكثر حسماً.

عن المركز الكردي للدراسات ايال

تيسير كوهين وكيفن هوغارد

ترجمة: أمنية زهران