سربست نبي يكتب: قطر.. وعي الضآلة والهامشية

1٬261


زجّ الحاكم القطري ببلده وشعبه الصغير، بصورة مجانية، في صراع وجودي بين أمة متجذرة في التاريخ، راسخة على أرضها وتكافح لأجل العدالة والمساواة، وسلطة دولة عنصرية، مستبدة، لا تعترف بأيّة هويّة مخالفة عن أيديولوجيتها الاستعلائية المهيمنة.
بمقدار ما يعي العقل السياسي، وحريّ بنا القول في الحالة القطرية، عقل السلطة والهيمنة، ضعف سطوته الديموغرافية وهامشيته الجيوسياسية، بمقدار ما يتسع طموحه وشغفه نحو الامتداد والهيمنة خارج نطاق سلطته، لإثبات عكس هذا الشعور المزمن لدى السلطة بالهامشية والضآلة. وبمقدار ما يكتشف هذه المفارقة في واقعه المعاش يزداد شعوره بالأرق والكآبة ويتطلع للقفز فوقه، إنه بذلك يضع قوائم عرشه في بقاع وأقاليم أخرى ويعززها سواء بالمال أو بـ بيزنس الإرهاب أو بسمسرات ومقايضات الإسلام الجهادي المتطرف. أو عبر النزوع إلى الارتماء في أحضان قوى إقليمية أكبر للحصول على حيّز من مكانة الأخير وانتحال دوره.
هذا الإغواء والدور، ملازم لممارسات السلطة القطرية منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، ومطبوعة به، ومن خلاله استطاعت السلطة القطرية أن تحجز لنفسها حيزاً، ولو هامشيّا، في صناعة القرار الإقليمي، وبه تمكنت من تسويغ بقائها وديمومتها، وإن كانت في الغالب مضطرة للقيام بالدور ونقيضه في آن.
الوعي بالهامشية، وعيّ هشّ، يلازمه شعور دائم بعدم الثقة بالآخرين، والخوف منهم، مما يدفع بالمرء إما إلى التطرف والمبالغة في تأكيد الذات حتى ولو بصورة منحرفة. وإما إلى اللجوء إلى أحضان الأقوى واتخاذه ملاذاً للصراخ ومنصة لإطلاق التهديد والوعيد بحق خصومه، كما تفعل الحكومة القطرية اليوم، التي أغرقت بلادها بالسلع والسلاح والعسكر التركي، كي تظهر في محيطها بمظهر القوي وتستعيد شيئاً من هيبتها المفقودة وشعورها بالقوّة.
كلا الشعورين، وما يترتب عليهما من ممارسات ومواقف، يمكن ملاحظتهما واكتشافهما بسهولة في سلوك السلطة القطرية طوال أكثر من عقدين من الزمن، لدى تعاطيها مع الوقائع السياسية والمتغيرات، سواء في النطاق العربي، أو الإسلامي، أو الدولي. وفي أغلب الأحيان كانت تفضي إلى مفارقات وتناقضات تثير السخرية. فهي تتماهى مع الدور التركي وتضامن مع هواجس أمنه القومي، وتعدّ نفسها مثله معنيّة بالعداء ومكافحة “الإرهاب” بجميع أشكاله ومظاهره، الناشئ عن حركة گولن وحزب العمال الكردستاني وجميع القوى والتنظيمات التابعة لها حسب البيان المشترك الأخير بين الزعيمين القطري والتركي! هكذا زجّ الحاكم القطري ببلده وشعبه الصغير، بصورة مجانية، في صراع وجودي بين أمة متجذرة في التاريخ، راسخة على أرضها وتكافح لأجل العدالة والمساواة، وسلطة دولة عنصرية، مستبدة، لا تعترف بأيّة هويّة مخالفة عن أيديولوجيتها الاستعلائية المهيمنة.
تأكيد الذات بصورة انتهازية، الوعي المشوّه بالذات وبالآخر، ردّات الفعل المنحرفة، ازدواجية المعايير السياسية وغياب الاتساق المنطقي في الخطاب السياسي والإعلامي، النخوة الإسلاموية والعروبية المجانية، المكابرة الفارغة ومعاندة وعي الذات والواقع بصورة صحيحة، الضجيج السياسي الاستعراضي والزعيق الفارغ الناجمين عن غيرة زائفة، الهستيريا الإعلامية المتطرفة المصحوبة بالرغبة في الانتقام من الآخر والرغبة في التخلص من الخوف نحوه، الذاكرة الانتقائية، النزعة الإيمانية المنافقة والسطحية، كلها مظاهر لأزمة العقل السياسي للسلطة القطرية، حيث تجدونها جليّة وصارخة في تظاهرات سلوكه وتعاطيه مع جواره الخليجي والعربي الآن مع الأزمة الراهنة.
العقل السياسي للسلطة القطرية، عقل فاقد لكل ما يمت إلى العقل والسياسة بصلة، منتحل لاسم العقل لتدمير العقل وتقويضه، مدع لشرعية سلطوية أو أيديولوجية لتقويض كلّ سلطة شرعية في محيطها. العقل السياسي لسلطة دوحة مجرد ذهنية بدائية وظيفتها فقط إدراك سبل التبعية للقوي والسطو على مصير الضعيف ليس إلا. فهو لا يدرك ذاته ولا يستطيع تأكيدها إلا عبر هذا السلوك المتناقض الذي قوامه عقدة الشعور بالهامشية والضآلة. بهذه الصفة هو عقل انتهازي ومراوغ وجبان، لا يجد هويته ولا يحقق ذاته إلا عبر المفارقات التي يصطنعها، وبذا يحقق لنفسه الطمأنينة والاتساق. وهو حين يرقى ويسمو على الآخرين، كما يدع ويعلن، إنما يحقق ذلك لا بنفسه إنما عبر هذا التناقض في السلوك يضع نفسه في مواجهة الآخرين، يتعالى عليهم وينكرهم من هذا الموقع. إنه بهذا يفتقر إلى الاستقلالية والذاتية.
عقل سلطة من هذا النوع، عقل جبان لا يقوم بذاته، وليست لديه يقينيات سياسية أو أخلاقية، وهو في الوقت نفسه يفتقر إلى فضيلة الشجاعة التي تقضيها وجود سلطة واثقة من قوتها وشرعيتها، وتجعلها سلطة متسامية لديها شعور راسخ بالشرعية السياسية. فهذا العقل يهاب التفكير باستقلالية من دون اللجوء إلى الآخر الأقوى، أو الاستعانة بمن هو أضعف لتسخيره لمآرب سياسية ومقاصد غير شرعية، يحقق له الطمأنينة ويعوّض لديه الشعور المزمن بالهامشية والخوف. إنه يظلّ بحاجة دائمة إلى الاحتماء بمن هو الأقوى يستظلّ بظله، يتعصب له ويتحامى به، كي يؤكد ذاته ويجد الطمأنينة والسلام بوجوده. إنه عقل التدهور والاندحار السياسي، لايملك شجاعة البقاء أو الاستمرار خارج العقل السياسي المهيمن أو المتسلط الأقوى، ولا يشعر بالأمان دونه. فالجبن والتردد هما جذر عبوديته وعجزه وخضوعه لهيمنة الآخرين. هنا تكفّ الحاجة لديه عن التفكير والبحث وتقرير مستقبله. إن هذا الإذعان لسلطة الآخرين، لتأكيد الذات وتضخيمها، حتى ولو كانت سلطة طيبة وخيّرة، لا يتناسب مع كرامة أية سلطة وشرعيتها، بوصفها سلطة وطنية مستقلة، واثقة من شرعيتها،إنه سلوك يليق فقط بالعقل السلطوي المقيّد التابع، الذي اتخذ من العطالة السياسية والمكابرة الفارغة سبيلاً لوجوده.
عن ميديل ايست اونلاين

#حزب_سوريا_المستقبل

#مقال_رأي

مقالات الرأي لا تعبر عن وجهة نظر الموقع