حسن محمد علي يكتب: هفرين.. زرناك هذا اليوم!

1٬470

 

اليوم هو السابع عشر من شهر تشرين الثاني، وقد مضى على خلودك شهر وخمسة أيام، حين قررت أن أزورك، أزور البيت الذي ولدت وترعرعت فيه، حيث كنت يا هفرين.. بعد عملك تتوجهين إليه.

البيت الذي دعيتني الى زيارته، ولم تسعفني الفرص، حتى أشرب كأس شاي، وأتناول طعاماً أشتهيه.

 

بعد انتهاء الاجتماع التأسيسي لحزب سوريا المستقبل، في مدينة الرميلان، ذهبت مسرعة الى ذاك البيت. اتصلت بك ممازحاً: اين أنت يا هفرين؟

أنتم أهالي ديريك هكذا.. انتظرنا ان نذهب معك. قلت: سأرسل الرفاق ليحضروك.. لم أحضر.

نعم.. اليوم زرت البيت الذي طلبت من أمك “يادي” ان تصنع لنا جبنة ديريك “سيريك”.

ذهبت البيت وكلّي أمل في أن أراك هناك. كانت “يادي” في البيت، لم تكوني هناك يا هفرين..

كانت صورك، ذكرياتك، ابتساماتك، كل زاوية من زوايا البيت كانت تقول أنك هنا.

 

هل تعرفين هفرين.. لم تكوني هناك.. لم أجدك.. رغبت أن أتحدث مع “اليادي” عنك. لم يسعفني الكلام.. وبقيت المفردات غصة في حلقي. تحدثت اليادي طويلاً عنك.. عن طفولتك، وعن دراستك.. وتحدثت عن تلك الرسالة التي كتبتيها لأختك الشهيدة..

 

رغبت أن أتحدث أنا أيضاً عنك. لدي الكثير لأقوله. لكن الكلمات كانت تغيب.. أمام هذه الملحمة العظيمة، تصبح الكلمات بلا معنى.

جدّدت اليادي عهدنا.. كانت تتحدث بتحد يفوق الحدث، وبمعنويات عالية، تنطلق من قلب محروق..

 

سأخبرك رفيقتي هفرين، أن اليادي ظهرت أقوى مني، أعادت لي قلبي وقوتي وأوقدت معنوياتي من جديد.. أحسست أني صغير أمام جبروتها. أني تلميذ يتعلم القوة من خلال كلماتها وتنهيداتها وغزارة أحاسيسها.

 

اليادي أم هفرين.. تحدثت عن مشروعنا بقوة. لسنا نادمين قالت.. سنعمل بقوة أكبر.. ابنتي هفرين ناضلت لرأب الجرح الكردي، عملت من أجل لملمة الشرخ الكردي في وطن اسمه كردستان.. من أجل شعب اسمه الكرد.. شعب مزقه الأعداء.. ومزق شعوب المنطقة.. ابنتي حاولت توحيدهم.. حاولت رصّ صفوفهم في حزب سوريا المستقبل.. كان العدو غدّراً كعادته.. لم يمنح هفرين الفرصة.. لم يسمح لها باستكمال المشروع..

 

هل تعرفين يا هفرين..!

كانت تتحدث.. وكنت أتساءل كيف صورة هفرين تجول في المكان وهي غائبة!

كانت صورتك وشهادة “الشهادة” التقدير، بجوار اليادي.. كانت تجلس بجوارك دائماً.. وتنام في يديك.. لا تريد أن تفارقيها، في كل لحظة.. تريد اليادي أن تكون معك..

تحضن صورتك، وتتذكر.. كيف حملت بك.. كيف ولدتك.. كيف رعتك وكبرت.. كيف خدمتك..

 

نعم يا هفرين.. كنت الطفلة المدللة، والشابة النشيطة، والمهندسة الذكية، والسياسية الواعية..

سالت ذكريات اليادي، وهي تحضن صورتك.. كانت تشعر بدفئك وحنانك.. وكنت تمديها بالدفء..

 

داهمتني الشجاعة لأتحدث، وسألت عن ميراف سائقك الوفي يا هفرين..

نادت اليادي: ميراف.. هنا ضيوف لأمك يريدون أن يروك..

 

ردّ ميراف: أنا في المعبر..

ثم ذهبنا الى مقبرة الشهداء، الى وطن خبات ديريك، وحسين جاويش.. ربما نلتقي بك ياهفرين..

كنت هناك يا هفرين.. كنت في وطن خبات ديريك، وحسين جاويش.. وكان لك وطن الآن.. لم أشعر أنك وحيدة..

اخترت الذهاب مطلقة الجناحين إلى رفاقك ورفيقاتك.. هل تعرفين عددهم يا هفرين..! كثر.. كثر.. لست وحيدة، ولن تكوني وحيدة بعد اليوم..

كنتم كلكم لوحة مكتملة الألوان.. مطلقة القوة..

على يميني رفيق.. على يساري رفيق.. في الشمال وفي الجنوب رفاق يطرزون اللوحة بتفاصيل أخرى..

مشيت بحذر.. أنا أسير الآن في حضرة الأبطال.. في حدائق الزهور.. أمشي بوجل في الطرق بين الخالدين..

في الحياة الحقيقية، بين تفاصيل الخلود.. وأبحث بمسامات عيني عن بيت “الخالد الأبدي”. وأسال رفاقي:

-أين وطن هفرين؟

 

أشاروا لمرقدك.. تقدمنا خطوة خطوة في ذاك الحي الجديد.. كانت ألية وأيادي تعمل لفتح أحياء جديدة.. هناك رفاق آخرون قادمون لوطنكم يا هفرين.. رفاق لنا عبروا اليوم إلى حي الخلود.. لن تكوني وحيدة يا هفرين.. لن يتكوك رفاقنا القادمين اليوم وحيدة يا هفرين..

 

رأيت صورة شرناس في بيته الجديد.. جاء بالأمس وسكن بجوارك.. وفي الجانب الآخر سائقك فرهاد..

تزيّن بيتك الجديد بلباس عروسة.. وأزهار.. هدية في هذا العرس الآني.. وكان علم حزب سوريا المستقبل يرفرف في المحيط المفعم بالزهور..

لمنزلك الجديد خصوصية يا هفرين.. خصوصية تلوح بين الحزب والمستقبل والعرس والزهور..

 

بيوتكم جميلة يا هفرين.. تتشابه.. تتساوى.. في الرتابة وفي البناء وفي مساحات البازلت والمرمر..

 

أمام كل بيت وتحت صورة صاحب البيت او صاحبة البيت اسم وعنوان وتاريخ الولادة..

كانت البيوت حديقة جميلة، تغصّ بالورود، والصور. لوحات نقية تحوّل كل بيت بمفرده الى لوحة فنية، هي تفصيل من لوحة كبيرة مركبة وشذية.

لوحات تثير التأمل والشجون.

كنتم تقولون يا هفرين: لن تملوا من النظر إلينا.. وكلما تأملتم صورنا كلما طلبتم المزيد..

في خلودكم يا هفرين أعدتم لنا معنى الحياة الحقيقية.. خلودكم يعلمنا فنون الحياة وتفاصيل البقاء..

 

 

وقفت بجوار رأس مرقدك، أتأمل صورتك، ودارك الجديدة.. أعدت الذكريات والكلمات.. كانت غصة في الحلق.. ثم سالت الدموع رغماً عني..

 

نعم.. عجزت في تلك اللحظة في منع دموعي.. أمام دار بيت الخالد ياهفرين.. انتقلت إلى المقلب الآخر من مرقدك.. وقفت باحترام أمام قدميك. أقول في داخلي، لقد غادرت يا رفيقتي، ولكنك جدّدت العهد..

أمام دارك الأبدي قلت سنلتقي قريباً أو بعيداً.. لكننا حتماً سنلتقي. ونتحدث في مدينتك، وفي البيوت المنتشرة في المحيط.

زرنا بيوت كل رفاقك في حيكم الجديد يا هفرين.

حسين جاويش، وخبات ديرك، وتمعنت في باب كل البيت، في صورهم الجميلة، التي تستقبلنا نحن الضيوف.. أعادتنا إلى عقود مضت، عادت الذكريات معكم جميعاً..

قلت للرفاق: لنذهب.. لقد أخذنا وقتاً طويلاً منكم.. سنتركم لأعمالكم.. سنتركم في حيكم الجديد ولأعمالكم الكثيرة.. سنتركم لتستقبلوا باقي الضيوف.. الضيوف الذين جاؤوا من كل حدب وصوب..

يا هفرين.. ضيوفهم كثر، يأتون بحثاً عن انبعاث جديد.. انطلاقة جديدة..

لنذهب.. فمهام هؤلاء كبيرة وعظيمة.. هم من يصنعون الانبعاث.. هم من يرفعون المعنويات.. هم من ينظفون القلوب.. هم من يغزلون إنسانيتك ومسؤولياتك ورفاقيتك.. يعيدون أحاسيسك بقيمك وهويتك ولونك ولغتك.. يعيدون لك المعنى الحقيقي في أن تكون إنساناً.

 

نعم يا هفرين.. تحملت مع رفاقك ورفيقاتك، مهام عظيمة وكبيرة لمجتمع انتظركم مئات السنين..

ثم وقفنا لوداعكم، وأنا أقول في نفسي، لماذا الوداع إذا كنا سنعود..!

 

وعدنا.. عدنا يا هفرين..

 

اليوم 17-11-2019 تاريخ له وقع خاص عليّ.. زرت “اليادي”، وزرت بيتك الأبدي، وزرت البيوت الخالدة الأخرى. وحين عدت من الزيارة يا رفيقتي، حملت الكثير الكثير من خصالك وسماتك، التي توحي بانطلاقة جديدة مفعمة بروح هفرين، ولون هفرين، وصوت هفرين، ومشاعر هفرين ورؤية هفرين.

 

#حزب_سوريا_المستقبل

#مقال