طالب إبراهيم يكتب: الدين في مصانع السلطة!

1٬150

 

يتقاضى طلاب المدارس الدينية الشرعية في سوريا رواتب شهرية، منذ بدء التحاقهم بالدراسة. على خلاف باقي الطلاب السوريين في باقي الاختصاصات، وباقي المدارس والمعاهد. وبحكم دراستهم واهتمام السلطة السورية بهم، فهم معفيون من الخدمة الإلزامية، دائماً وأبداً حتى في الفترة التي تلاحق فيها السلطات السورية الشباب السوري لسوقهم إلى القتال في ساحات واسعة، تصل الجنوب السوري بشماله.

فاق عدد المتقدمين لامتحان الإعدادية الشرعية في سوريا هذا العام “2019” 4 آلاف متقدم. في حين كان الرقم عام 2009 قرابة 50 متقدم ومتقدمة.

هناك مسألة واضحة، تجول في أروقة الأكاديميات العالمية والعربية، كما تسود تماماً في أروقة المجالس السورية الخاصة المرتبطة بالعلوم. تقول، كلما ساد العلم في مجتمع ما، كلما قلّ التدين، وكلما قلً الاهتمام بما يرويه رجال الدين، وعلى العكس من ذلك، كلما قلّ العلم كلما زاد التدين. وأي نوع من التدين يسود في غياب العلم والعلماء!

لا يمكن القول إن الساحة السورية تشهد غياباً للعلم، والتعلم، بسبب عجز المجتمع السوري عن إيجاد ساحات حقيقية له ولهم. ولكنها تشهد انحساراً مقصوداً ومدروساً للعلم، تشهد انزياحاً عنه تفرضه حاجة السلطة لتغييب العقل، وتغييب الحقائق. لأنها تعرف جيداً أن سيادة العلم والعلوم يعني تراجع التدين، وتراجع مبررات تسلطها وسيطرتها على الدولة والعباد.

انتشار التدين المدروس في مراكز أبحاث السلطة، وفروع أمنها، مرهون دائماً بحاجتها إلى تغييب المجتمع وشلّه ومصادرة إرادته. التدين المدروس أمنياً يسهّل السيطرة على المجتمع، وقيادته، وإرساله إلى حتفه أو إلى الأوهام.

تحفل الشوارع السورية بالمتدينين الاجتماعيين، المتدينين الذين يمارسون الدين بجوهره الحقيقي المرتبط بالعلاقة بين الرب وبين الحاجات الروحية للإنسان، ورغبته في أن يكون خادماً للرب. بعيداً عن حاجات السلطة، ورغبتها في تحويل السوري إلى خادم لها.

التدين الاجتماعي الذي ينظر إلى الإنسان باعتباره حر في الحياة، لكنه مقيد إلى تعاليم الرب الرئيسية، حر في سلوكه شريطة أن يخدم هذا السلوك البشر، ولا يشكل عقبة أمام تطورهم ورقيهم الأخلاقي والعلمي. هذا التدين هو الذي يوقف شلالات الدم، ويعيد الوصل في زمن القطيعة، ويعيد دور الإله في وجه من يمارسون دوره، وينوبون عنه في معاقبة البشر.

لا تقبل السلطة “أي سلطة وليس فقط السلطة السورية” هذا الدين الإجتماعي. لا تقبله، لأنه مفتاح للوحدة، وملقى المتخالفين. تسمح السلطة بالدين الذي يخدمها، تسمح بالتدين الذي يغير نظرة الناس لأنفسهم ولغيرهم وفق مصالح السلطة. تسمح لرجال الدين الذي يجيشون المجتمع للحرب طالما فيه مصلحة السلطة، ويجيشونهم للصراع طالما فيه مصلحة السلطة، ويجيشونهم للصمت إذا كانت تريد لهم أن يصمتوا، وتجيشهم للصراخ إذا كان لزاماً أن يصرخوا.

الدين الذي تريده السلطة هو الدين الذي تقدمه في المدارس الشرعية، وفي المعاهد الشرعية. ورجال الدين الذين تريدهم هم أولئك الطلاب الذين يخدمون في تلك المعاهد صغاراً، لينموا فيها دعاة كما تشتهيهم السلطة، ومخبرين وقادة كما تريد لهم أن يكونوا.

مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كاتبها.