بسام العيسمي.. ورشة فيينا مكاشفات وتحفظات

3٬171

شارك المحامي بسام العيسمي في ورشة عمل في العاصمة النمساوية فيينا. أقيمت الورشة على مدار يومي 12 و 13 تموز الحالي، بدعوة من اللجنة التحضيرية لمجلس سوريا الديمقراطية.

يتحدث العيسمي عن الورشة، ويقدم تحفظاته وملاحظاته، ويسترسل في الحديث حول تاريخ الظلم المعاصر في سوريا، ويقدم موقف “الحزب الجمهوري السوري” الذي ينتمي إليه تجاه بعض القضايا، في حوارنا معه.

-السياسي السوري والمعارض بسام العيسمي، بداية كيف تمت الدعوة؟

شاركت بأعمال ورشة فيينا بدعوة مشكورة من القائمين على تنظيمها في مجلس سورية الديمقراطية (مسد). حَضرت إلى جانب مجموعة من المعارضين الوطنيين رجال ونساء، والمعروفين بتوجهاتهم الديمقراطية وتجربتهم السياسية الطويلة والغنية في معارضة نظام الإستبداد والجريمة، والمؤمنين بأن سورية المستقبل هي سورية الديمقراطية العلمانية اللامركزية، دولة الحقوق والمواطنة المتساوية القادرة على حفظ حقوق وكرامات أبنائها.

-حول المشاركين في الورشة، ماذا يستطيع بسام العيسمي أن يحدثنا؟

أستطيع القول بأن اللجنة التحضيرية المعنية بالورشة قد أحسنت اختيار المدعوين.

هذه الورشة، كما قدّمها منظموها في مجلس سورية الديمقراطية هي الثانية في أوربا، بعد ورشة باريس والتي عرّفت بتجربة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، وطرحت بعض العناوين السياسية المتعلقة بالحوكمة واللامركزية والديمقراطية وشكل الحكم وآليات التغيير، للخروج من حالة الاستنقاع السورية المكلفة دمّ ودمار، والموقف من نظام الأسد المجرم والفاسد.

في اليوم الأول استمعنا باهتمام لشرح حول تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية بكل تفاصيلها، وطريقة عملها إخفاقاتها ونجاحاتها.

ذكر القائمون على الورشة بأن الإدارة الذاتية تجربة فريدة وطنية سورية بجوهرها وأهدافها ليس لها طابع قوميّ أو عرقيّ بل طابعها جغرافي. وأشاروا إلى نجاح التجربة وصلاحيتها للتعميم والإستفادة منها في مناطق أخرى لقدرتها على  تلبية احتياجات السكان المتنوعة وإدارة المرافق العامة والمؤسسات.

شرح الأخ رياض درار الرئيس المشترك لمجلس سورية الديمقراطية “مسد”. بأن المجلس هو المرجعية السياسية للإدارة الذاتية وللجناح العسكري أيضا “قسد”. وأوضح بأن “قسد” ملتزمة بما يقرره “مسد” أي بما يقرره السياسيون، وينفذ القرارات دون عرقلة أو مواربة وكان ذلك رداً على أسئلة بعض المشاركين الذين أشارو بأن الفاعل الحقيقي على الساحة عسكرياً وسياسياً هو “قسد” و”مسد” هو واجهة له لتبرير سلوكياته.

أمر جيد أن يخضع العسكر للسياسة. لأن الحل في سورية هو استحقاق سياسي وليس  عسكري.

تجربة المعارضة السورية سلبية في هذا الخصوص فحينما تشكّل المجلس الوطني لدعم الفصائل العسكرية على الأرض وقيادتها سياسياً حدث العكس، فأصبح مرتهنا وتابعا  لها وفقد السيطرة عليها وكان يحاول كسب ودّها.

كيف تعاطى العيسمي مع ورقة عمل ورشة فيينا، هل كان لديه تحفظات، خلافات، أو ما إلى ذلك؟

تكلّم بعض المشاركين عن بعض الممارسات والسلوكيات التي تتناقض مع الأهداف المعلنة للإدارة الذاتية. لم  يكن جواب الأخوة في “مسد” بنفي تلك الحوادث والممارسات وادعاء التقية بل الاعتراف بإمكانية حدوثها، والإشارة بأن  من يرتكب أي عمل ينافي القانون واللوائح الناظمة سيخضع للمحاسبة أمام القضاء.

لكن هذا لا ينفي وجود بعض الإشكاليات، والتضييق أحياناً على عمل بعض الأحزاب والأفراد. وأرى على القائمين عليها الإنفتاح أكثر على الناس، والتقرّب منهم لترسيخ وطنية وسورية تلك المؤسسة، بما يوطّن الإرتياح، ويوسّع الثقة في نسيج المجتمع.

وقوع بعض الأخطاء والتجاوزات، والإقرار بها ولايجري التنكّر لها، هو أمر عادي ولا يبعث للقلق. لأن الاعتراف بوجودها هو البداية لتداركها ومعالجتها.

أسجّل إعجابي بقانون الأحوال الشخصية المتقدم على كل قوانين الأحوال الشخصية لدول المنطقة كلها.  وبمجمل التشريعات القانونية الحديثة المعمول بها في مناطق الإدارة الذاتية وحضاريتها التي ترتقي لمعيارية منظومة حقوق الإنسان العالمية. إذ إن البنية القانونية الحضارية والمتقدمة تفتح المعابر لنهوض المجتمع وتقدمه من خلال السلوك والممارسة.

في اليوم الثاني من الورشة ناقشنا ورقة عمل مؤتمر الحوار السوري الثالث وماتمخّض عنه من توافق على وثيقة تتضمّن آليات الإنتقال الديمقراطي وخارطة الطريق لحل الأزمة السورية.

نحن في حزبنا “الحزب الجمهوري السوري” نثمّن الكثير من البنود الواردة فيها ندعمها ونتبنّاها، لكن هذا لا ينفي تحفّظاتنا وملاحظاتنا على بعض بنودها الأخرى.

سجّلنا اختلافنا وتحفظنا حول بعض الصياغات الواردة فيها، مثل استخدام مصطلح الشعوب السورية، بدل الشعب السوري. عند كتابة العقد الاجتماعي الجديد لسوريا المستقبل، علينا أن نخرج جميعاً لسوريتنا فحينما نتكلم عن الدولة التي ننتسب  لها ولاء وانتماء بموجب المواطنة فكلنا سوريون. أمّا عندما نتكلم عما هو “تحت الدولة”، فنحن عرب وأكراد ومسيحيين ومسلمين وغير ذلك..

وأبدينا تحفظنا على ما ورد في المقدمة من صياغة.

“لقد تسبب نظام الإستبداد والمعارضات المرتهنة وتنامي قوى الإرهاب………….. في تدمير سورية شعبا ووطنا..”

من الإجحاف أن نضع النظام والمعارضة بسوية واحدة في حجم المسؤولية. نظام الأسد المجرم يتحمّل المسؤولية الكبرى والأساسية عن كل ما حلّ بسورية من دمار وخراب طال البشر والحجر.

وكل من حمل السلاح ارتهن بشكل او بآخر للممولين والداعمين ولكن بمستويات، ولم يكن أي طرف مستقل بقراراته. وكلما تقاطعت مصالح الداعمين مع مصالح المدعومين انخفض منسوب التبعية كما التقت مصالح الولايات المتحدة بمحاربة تنظيم داعش مع مصلحة السوريين في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية.

لابد من الإشادة بالدفاع البطولي لمقاتلي “قسد” الجناح العسكري لمجلس سورية الديمقراطية وسكان المنطقة والدور الذي لعبته المقاتلات النساء جنبا إلى جنب مع المقاتلين الشباب  في دحر الإرهاب وهزيمة داعش.

وهناك ملاحظات وتحفظات أخرى لنا على هذه الوثيقة يمكن أن نفندها بشكل مستقل،  ليس من خلال هذا اللقاء.

لكن ذلك وبنظرنا  لن ينتقص من أهميتها وصلاحية الكثير من بنودها اساسا لحوار مثمر وبنّاء.

لقد تقبّل القائمون على الورشة  كل الملاحظات والتحفظات الواردة على الوثيقة بصدر رحب، ووعدوا بدراستها. وأشاروا إن جميع الوثائق التي وضعوها بين ايدينا هي مشاريع غير مُنجزة قابلة للتعديل  وهذا أمر جيد.

كشفت الثورة السورية عمق الإشكاليات المجتمعية والتناقضات المسكوت عنها طيلة الفترة السابقة، والتي طفت على السطح بفعل اهتزاز جدار الإستبداد. كشفت عمق “الشروخ العمودية” والندبات التي أوقعها نظام الأسد التسلطي المجرم، وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً في الجسد السوري مما حال دون تشكّل فضاء وطني موحد وجامع للسوريين كون هذا النظام يعيش على تناقضات المجتمع ويقوى بضعفه.

الخطوة الأولى هي أن نعترف بالواقع وإشكالياته، ونوصّف أمراضه لنستطيع علاجها وتجاوزها.

نحن ندرك في حزبنا “حزب الجمهورية” حجم الرواسب السلبية والحساسيات التي تنتاب العلاقة العربية الكردية.

نظام الأسد ظلم الجميع، وقيد الحريات، وسرق الثروات، واعتدى على الكرامات. لم يسلم أحد من شروره لكن الظلم المضاعف وقع على إخوتنا الكرد إن كان في إحصاء عام 1962والذي حرم أكثر من 20  الف مواطن كردي من الجنسية، أو الحزام العربي الذي هدف لإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة، وغيرها من الإجراءات التعسفية التي طالت الشعب الكردي هذه  الإجراءات الناجمة عن غلواء قومي عروبي مثّل البعث النسخة الأسوأ منها.

من الطبيعي ان يترك ذلك شروخاً وحساسيات بين الطرفين، وإن لم تصل إلى درجة الهدم لكن هي موجودة ويجب أن نعترف بها.

ومن هنا نرى في حزبنا وأكدنا ذلك في ادبياتنا ووثائقنا بأن القضية الكردية في سورية هي قضية وطنية بامتياز لابد من معالجتها وإيجاد حل عادل لها يعترف بالحقوق القومية المشروعة للكرد وغيرهم من المكونات السورية الأخرى في إطار وحدة الجغرافية السورية.

الأكراد ليسو دخلاء او غرباء على هذه الأرض بل هم أصلاء وشركاء مع العرب وغيرهم من السوريين ماضيا وحاضرا وشركاء أيضا في صياغة  سورية المستقبل  وطنا جميلا لكل أبنائها تصون كراماتهم وتحفظ حقوقهم وتساوي بينهم سندا لمعيار المواطنة المتساوية.

نحن متقاربون في الرؤية على أهمية تحالف القوى الوطنية الديمقراطية السورية لأننا نرى لا حل يُخرجنا من هذا الوحل المكلف دم ودمار. من هذا الهولوكوس السوري الأسوء والأشد كارثية منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية، الذي قاد اليه نظام مجرم قايض الكرسي على خراب البلد بقده وقديده إلا عبر انتاج مشروع سياسي جامع لكل السوريين وطني الطابع, ديمقراطي, يهدف لاسقاط النظام و ضرب مرتكزات الاستبداد بكل تجلياتها الدينية والقومية والسياسة والفكرية ويحدد ملامح سوريا المستقبل دولة تأخذ بنظام اللامركزية الديمقراطية علمانية تداولية بدستور حضاري وحيادي اتجاه كل العقائد والمذاهب والأديان

-هل حققت ورشة فيينا من وجهة نظر العيسمي أهدافها؟

أرى بأن الورشة قد حققت أهدافها. مجرد الحوار، وفتح باب النقاش والمقاربات لهذه العناوين، وعدم ادعاء اي طرف بامتلاك الحقيقة الكاملة،  يُسهم بتذليل الإختلافات وتعزيز التوافقات.

من هنا تأتي أهمية هذه الورشات، التي تخدم أهدافها في جمع القوى الوطنية الديمقراطية للمعارضة السورية، لإعادة ترميم الفضاء الوطني الديمقراطي الذي تشظى عبر السنوات الثمان الماضية.

بسام العيسمي. سياسي ومعارض، تخرج عام 1988من جامعة دمشق كلية الحقوق.

عضو هيئة الدفاع “المجاني” عن معتقلي الرأي والتعبير أمام المحاكم السورية منذ العام 2000.

-عضو الأمانة العامة للحزب الجمهوري السوري ورئيس مكتب العلاقات الخارجية.

-عضو اللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) القطب الديمقراطي.


#حزب_سوريا_المستقبل
حوار طالب إبراهيم