جوان يوسف.. الإدارة الذاتية حالة استثنائية! 

1٬813

 

شارك السياسي والمعارض السوري جوان يوسف في ورشة عمل باريس التي دعت إليها اللجنة التحضيرية لمجلس سوريا الديمقراطية آخر شهر حزيران 2019.

في حوار مع يوسف لموقع حزب سوريا المستقبل، تحدث فيه عن الورشة وعن الإدارة الذاتية ومشروعها، وعن الإعلام في مناطق شرق وشمال سوريا، ورؤيته حول عقد ورشات أخرى وصولاً إلى عقد مؤتمر للمعارضة الديمقراطية السورية.

-بداية هل يعتقد جوان يوسف، أن حضوره ورشة باريس كان إيجابياً أو فاعلاً؟

بداية شكرا لكم. أفترض توجيه هذا السؤال للآخرين. أنا لا أستطيع تقييم وجودي في الورشة إذا كان فاعلاً أو إيجابياً. لكني أعتقد أن وجود أي سياسي يحمل همّاً في مثل هذه التجمعات هو عامل إيجابي، لكن يبقى التقييم للمجموعة التي قامت بهذا العمل.

-نوقش في ورشة باريس مسألة الدعوة لمؤتمر لقوى المعارضة السورية الديمقراطية. ما تعليقك على ذلك؟

عقدت من أجل سوريا آلاف المؤتمرات، وتم مناقشة خطط وأوراق عمل تقدر بالأطنان، ولذلك ليس المهم الأوراق وخطط الطريق، بالرغم من أهميتها، وإنما كيفية تجسيد هذه المخرجات.

هناك تمايز وتفارق في سياق الحدث السوري، وتفارق في آليات تفاعل المعارضة معها، يمكن تلخيص  ذلك بسلوكين للمعارضة السورية. السلوك الأول كان الانتقال من السياسي إلى العسكري، بدأ بتأسيس المجلس الوطني السوري، ثم انتقل إلى دعم الفصائل العسكرية، ومن ثم الخضوع له وملاحقته.

السلوك الثاني كان العكس، حصل في شمال وشرق سوريا. بدأ العمل العسكري أولاً تحت قيادة قوات حماية الشعب، وتلا ذلك  العمل السياسي، ويتم محاولات تأطيره. ما يميز السلوك الثاني هو قبول العسكر الإرادة السياسية، وهذا مهم للغاية ، لأن استحقاق الحل هو استحقاق سياسي وليس عسكري بالمحصلة. وأمام هذا السياق تقف الإدارة الذاتية الديمقراطية أمام ثلاث مستويات للاستحقاق الجديد:

أولاً المستوى العسكري، والذي بدأته قوات سوريا الديمقراطية، وكانت موحدة ومنظمة، وأثبتت للعالم حقيقة صراعها مع الإرهاب. لكن هناك حاجة إلى تنظيم هذه القوة العسكرية ومأسستها، ليعرف العالم من هو قائد هذه القوة، ماهي مرجعيتها السياسية. بالإضافة إلى الحاجة الملحة لهيكلة القوات التي انضمت إليها، وأقصد هنا المجموعات والأفراد التي انضمت إليها في سياق الحرب على داعش بدون أن تخضع لدورات عسكرية وسياسية.

ثانياً المستوى الإداري، ومسؤولية الإدارة الذاتية. بدأت الحالة مع الكومينات ثم البلديات والمجالس حالياً، ويمكن القول، إنها قدمت ما لديها. ولكنها الآن أمام استحقاقات جديدة ،تتطلب مأسسة أفضل، وتقديم خدمات للمواطنين بصورة أفضل، تتناسب مع ما تفرضه من تشريعات وضرائب، ومسؤوليتها عن ذلك -وهذا حقّها- لكن عليها تقديم خدمات مقابل ذلك. احترام المواطن واحترام حاجاته مسألة في غاية الأهمية، وهي في سلم الأولويات، بل إن شرعية ووجود الإدارة الذاتية مرتبط بذلك.

ثالثاً المستوى السياسي، ومسؤولية مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، والذي يفترض أن يكون المرجعية السياسية لقوات سورية الديمقراطية وللإدارة الذاتية، ولذلك لابد من البحث بجدية من قبلها لتكون ممثلاً حقيقياً للمجتمع، وأعتقد بل أتمنى أن تكون ورشة باريس في هذا السياق.

يقدم مجلس سوريا الديمقراطية نفسه كمظلة سياسية للإدارة الذاتية، باعتباره تحالف أحزاب وأفراد، لذلك هو المسؤول عن وضع خارطة الحل لهذه المنطقة، وربطها مع خارطة الحل السوري عموماً. وكي يقوم بهذه المهمة بشكل جيد، لابد أن يقدم الكثير من الثقة للأفراد والجماعات غير المنضوية فيه، والكثير من الضمانات للقوى المنضوية.

لقد فقدت المعارضة الرسمية ثقة المجتمع السوري، لأنها لم تطمئنه على مستقبله.  وتعاملت بعقلية طائفية وقومجية. وخضعت الى أجندة الفصائل العسكرية مبكراً. وبالتالي فقدت وظيفتها السياسية.

-ما هو المطلوب من “مسد” إذن حسب اعتقادك؟

اليوم مطلوب من “مسد” أن تعزز وظيفتها السياسية، ولذلك عليها أن تكون على مستوى المسؤولية وكي تكون كذلك، عليها أن تفكر بعقلية “الدولتية”،  تحتضن الكل وتعبر عن الكل.

أعتقد ورشة باريس كانت البداية، ويجب أن تستمر في التواصل مع كل القوى المعترضة والمختلفة، والتي لديها اعتراضات على مشروعها. وعليها “إذا كانت جدّية” أن تفتح المجال للعمل في المنطقة، حتى لو كان حزب السلطة أو الائتلاف أو أياً يكن.. عند ذلك يمكن أن تكون تجربتها قابلة للتعميم في سوريا.

هي نواة جيدة قابلة للحياة ،لكنها تحتاج إلى توسيع وتثقيل الشركاء قبل الذهاب الى مؤتمر قوى المعارضة الديمقراطية. وفتح الأبواب والنوافذ على الآخرين من أجل صياغة خارطة طريق وطنية ديمقراطية حقيقية.

في النهاية لابد من القول إن ورشة باريس كانت جيدة، وجدية، وكان الحضور مثمراً، والمواضيع جيدة. لكن كان يجب أن يكون الترتيب الإداري أفضل من ذلك. تقدم “مسد” نفسها نموذجاً لسوريا المستقبل، لذلك يجب أن تتجاوز الجزئيات، وتكون أكثر جرأة في قبول ومناقشة المختلف.

-لنتحدث عن مسائل أبعد من ورشة باريس وربما مرتبطة فيها. بوجود موازين القوى في مناطق شمال وشرق سوريا، وبوجود السلاح، هل تعتقد أن هناك مساحة للحريات السياسية؟

ما دفعني لحضور ورشة باريس، هو البحث عن هذا الحيز من الحريات، الحيز الديمقراطي. هناك إشكاليات كثيرة موجودة في شرق الفرات، في فترة سيطرة “مسد” و”قسد” و”منظومة الإدارة الذاتية”، بسبب غياب الكثير من الحريات، وغياب العمل المشترك، والتضييقات المتعلقة بعمل الأحزاب والأفراد. قال البعض إنه لا يوجد حيز للحريات، أنا أقول يوجد حيز ولكن يجب تنظيم هذا الحيز، ومأسسته، وتوسيعه، ليعطي دوراً لكل القوى الفاعلة أفراداً وجماعات في مستقبل هذه المنطقة.

-باعتبار أن الحوار تطرق لموضوع الحريات. ما ملاحظات جوان يوسف عن الإعلام في شمال وشرق سوريا الآن؟

هناك تقدم في الإعلام بشمال وشرق سوريا. وهناك هامش للحرية لكنه غير مكتمل، وغير ممأسس بطريقة جدّيّة.

هناك إعلام “مستقل”، إعلام خارج المؤسسات الحزبية الموجودة. إعلام يقوم بإيصال المعلومة بطريقة جيدة مثل آرتا FM ومؤسسة بوير وولاتي. لكنه يعاني أيضاً. هو لا يستطيع الوصول إلى المعلومة بطريقة سلسة. ويعاني من المضايقات الموضوعية في متابعة الحدث. وتوصيله إلى الناس. يعاني من ضعف الإمكانيات المادية باستثناء آرتا FM.

حتى الآن للأسف لم تنتج الإدارة الذاتية إعلام محترف، يكون محل ثقة. ولم يستطع إعلامها الموجود، أن يكون مصدراً لوكالات الأنباء العالمية أو المحلية.

نلاحظ أن مصادر الإعلام المحلي والدولي، هو المرصد السوري لحقوق الإنسان، بالرغم أن المادة الخبرية هي منظومة الإدارة الذاتية.

لم يستطع إعلام الإدارة الذاتية أن يكون إعلاماً مقنعاً، لا أقول إنه يشوّه الحقائق. لا.. ولكن لم يحصل على ثقة المتلقي حتى الآن، لم يستطع أن يكون إعلاماً مهنياً محترفاً يحقق في الحدث، ويتابعه، ويحلله، ويوصله إلى المتلقي لمساعدته في فهم ما يجري.

الإعلام يحتاج إلى حرية الحركة، وحرية الوصول إلى المعلومة والمسؤولية. ولتحقيق ذلك يجب التعامل مع الإعلام بوصفه مؤسسة مستقلة عن المؤسسات التنفيذية الموجودة.

-هل لدى جوان يوسف مقترحات تتعلق بالإعلام في منطقة شمال وشرق سوريا؟

منطقة الإدارة الذاتية هي منطقة استثنائية، وحالة استثنائية، وهي تحتاج الى إعلام استثنائي، تحتاج أولاً إلى إعلام “رسمي”، بمعنى وجود مؤسسة إعلامية تنطق باسم الإدارة الذاتية. وتحتاج مؤسسة إعلامية تنطق باسم مجلس سوريا الديمقراطية. مؤسسة تكون مصدراً للمعلومات مؤسسة تكون مقنعة وحيادية تجاه الخبر، ولديها القدرة على تحليل الحدث وايصاله بطريقة مقنعة.

ثانياً يجب أن يكون لهاتين المؤسستين حرية الوصول إلى المعلومات وهذه مسألة مهمة جداً، لتكون السباقة، ولا تنتظر قناة العربية أو الجزيرة أو المرصد السوري أو درة الشام في نقل الخبر. وهذا يتطلب كوادر حقيقية تقوم بإدارة العملية الإعلامية.

ثالثاً يجب أن يكون هناك نشرات رسمية تعتبر “مرجع” يمكن العودة لها عند الحاجة.

بالنسبة للإعلام المرئي، أعتقد أنه متخوف بين جانبين، جانب الدفاع الفعلي عن الإدارة الذاتية والدفاع عن إيجابياتها، والوقوف على سلبياتها، وجانب أن يحسب على خط الإعلام المعتدل. لذلك يفشل في إظهار هذه التجربة كما هو مطلوب منه. ولهذا أقول أن إعلام الإدارة الذاتية إعلام متردد حتى الآن.

-سؤال أخير ننهي به حوارنا أستاذ جوان. هل تعتقد أن مناطق شمال وشرق سوريا، وبحكم موازين القوى الموجودة، هي نواة لسوريا القادمة، أو نواة لدولة قادمة؟

جوهر الخلاف بين السوريين، هو مسألة اعتبار هذا المشروع نواة إيجابية لسوريا القادمة أو لا. هناك من ينظر إليه بعين الشك والريبة، وهناك من يريد دعم هذه التجربة، والتأسيس عليها.

أعتقد أن خلفية الخلاف هي من خلفية سياقات الصراع في سوريا، وفهمها. وموقع كل واحد فيها. من وجهة نظري  يمكن تحديد الصراع في سوريا اليوم ضمن ثلاثة سياقات:

سياق النظام السوري المتحالف مع روسيا وإيران. سياق المعارضة السورية المتحالفة مع تركيا. سياق منظومة الادارة الذاتية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع التحالف الدولي.

أرى أن  السياق الأفضل في هذا الصراع هو السياق الثالث. حتى لو لم يكن إيجابياً  بالمطلق، ولم يقدم ما يرضي  كل السوريين. لكنه على الأقل يفرمل السياقين الآخرين. سياق السلطة المتحالفة مع الروس والإيرانيين، والذي يعمل بالضد من إرادة الشعب السوري، لأنه يريد العودة بسوريا إلى مرحلة الاستبداد. وسياق المعارضة المتحالفة مع الأتراك وهو سياق يحاول تعزيز وهيمنة الاسلاميين، وإدخال سوريا في حلف مذهبي وطائفي في المنطقة.

يبقى السياق الأمريكي هو الأكثر انفتاحاً وتقاطعاً وتجاوباً مع طموحات الشعب السوري، وإن لم يكن كذلك، فهو يعرقل المشروعين السابقين. أعتقد أن ذلك أيضا مفيد.

من هذا المنطلق أعتقد أن مشروع الإدارة الذاتية هو “نواة”، يستحق أن يُدعم ليكون نموذجاً لسوريا كلها. لكن يحتاج إلى الكثير من العمل والمأسسة والحذر والوضوح.

جوان يوسف مواليد 1966 تل شعيرـ القامشلي. درس الهندسة الميكانيكية في جامعة حلب إلى حين اعتقاله عام 1987 بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي.

ساهم في تأسيس اللجنة الكردية لحقوق الإنسان عام 2006. وشارك في تأسيس “ائتلاف شباب سوا” عام 2011 وكان ناطقاً رسمياً له، قبل أن ينضم “الائتلاف” إلى المجلس الوطني السوري فيما بعد.

ساهم في تأسيس لجان التنسيق المحلية، وكان عضواً في هيئتها القيادية، ثم انضم إلى المجلس الوطني عن اللجان قبل أن يغادره في نيسان 2012.

انضم الى تيار مواطنة عام 2014، وغادره بداية 2019 لأسباب “تقنية وليست سياسية”.

#حزب_سوريا_المستقبل
#حوار
طالب إبراهيم